بروتوكولات الأدعياء





الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وعلى آله وصحبه أجمعين ، وبعد :
فقد طلب مني بعض الأخوة الكرام أن أكتب مقالة أوضح فيها طُرق أدعياء النسب في ترويج أنسابهم الباطلة ، فأقول وبالله التوفيق :

أدعياء النسَّب لهم طُرق ودهاليز ماكرة ، تدل على خُبث طباعهم ، وكما قالت العرب : ( الأخلاق بوصلة الأنساب ) فالأدعياء من أبعد الناس عن الأخلاق الحميدة  ، فهم أهل عقوق وكذب وفجور ، فمن انسلخ من نسبه وأدَّعى نسباً آخر لا تنتظر منه أن تكون أخلاقه كريمة فلو كان كذلك لما تبرئ من أبيه وانسلخ منه  .
وليس الجاهل كالدَّعي ، لأن الجاهل قد ينتسب لقبيلة ليس هو منها عن جهل ، ولا يعلم كلام العلماء في بطلان انتسابه بخلاف الدَّعي فهو يعلم كلام العلماء وقرأ وعرف الصواب لكنه أصَّرَ على دعواه وأفسد ونشر فساده وشره ، ومعاملة أهل النسب للجاهل تختلف عن معاملتهم للدَّعي المُصّر ، فالجاهل يُبين له وإن أصر على دعواه ألحق بـ ( الأدعياء ) .

ففي هذه المقالة بينت فيها طُرق الأدعياء لترويج أنسابهم الباطلة وأساليبهم الخبيثة الدالة على خُبث الطباع :

الكذب :
قال أحمد أبو بكرة الترباني : وهذه الصفة من خصائص الأدعياء وعليها تقوم دعواهم .

زراعة شهرة لأنسابهم في " الشبكة العنكبوتية " :
قال أحمد أبو بكرة الترباني : يعلم الأدعياء بجفاف كتب النسب من ذكرهم فيذهبوا لزراعة شهرة لأنسابهم عبر " الشبكة العنكبوتية " في المواقع التي تهتم بالأنساب .

تصيد أهل النسب ممن عُرفوا بالتساهل في قبول الأنساب :

قال أحمد أبو بكرة الترباني : يجفلُ الأدعياء من أهل الضبط والتحقيق من علماء وطلاب علم الأنساب ويفرّوا منهم كما يفر الصحيح من السقيم ، فتجدهم يذهبون لمن عُرف بالتساهل ويروجوا له وينفخوه (!) من أجل قبول أنسابهم .

اللجوء لقضاة السوء :

 قال أحمد أبو بكرة الترباني :  جاء في ( الروض العاطر ) حادثة ( تاج الدين بن عين المُلك ) : ( اختلق له نسبة وأوصلها على بعض قضاة السوء ينتسب فيها إلى أبي أيوب الأنصاري ، وسافر بها إلى بلاد اصطنبول ليتصيد بها المناصب فلم ينجح ... )[1] .
فأنظر ـ رعاك الله ـ كيف استغل هذا الدَّعي قضاة السوء ليرفعوا نسبه للنسب الأنصاري (!) مع أن الصحابي الجليل أبي أيوب الأنصاري انقرض عقبه كما بين ذلك ابن سعد في ( طبقاته ) (3/173 ).

اللجوء لتُجار الأنساب وأهل التزوير والجهلة في أنساب الناس :

 قال أحمد أبو بكرة الترباني : يلجأ الأدعياء لترويج أنسابهم إلى تُجار الأنساب وأهل التزوير والجهل  ، فتجد أن هؤلاء التُجًّار يرسموا المشجرات ( !! ) ويُذيلوها بالأختام مقابل الدراهم (!! ) وما أكثر هذا الصِّنف اليوم  ومنهم لا على سبيل الحصر : ( الشويكي وأنس الكتبي وفتحي سلطان ... إلخ ) وهؤلاء أهل تزوير وجهل ولا لُحمة لهم بالنسب العلوي أصلاً  .

  الاعتماد على الأقوال الموهمة والمُغمغة والمجملة :

 قال أحمد أبو بكرة الترباني :  يستشهد الدَّعي على ثبوت نسبه بأقوال موهمة ومغمغمة ليدعم فيها كذبه ، ومثال ذلك من الأقوال الموهمة والمغمغمة : ( ومن ولده العدد !! ) و ( انتشر عقبه في هذه الديار !! ) وغيرها من الأقوال الموهمة والتي لا تُجبر فيها الأنساب لعدم صراحتها في هذا البيت المُنتسب ، فهذه الأقوال موهمة ومجملة لا تثبت لهم نسباً .

الاعتماد على صِيغ التمريض وصيغة التبري في النصوص النسبية :

قال أحمد أبو بكرة الترباني : يتعلق الأدعياء ببعض النصوص النسبية التي جاء فيها : ( قيل أنهم من البيت الحسني ! ) و ( يُقال أنهم من البيت الحسيني ! ) و ( قالوا أنهم من قريش ! ) و ( يقولون أنهم من قريش ) فهذه الصيغ لا ترفع نسباً ولا تجبره لأنها جاءت بصيغة = ( التمريض والتبري ) فـ ( قيل ويقال ) لا تبني نسبا و ( قالوا ويقولون ) صيغة تبري تصدر من النسابة وليس قوله واعتقاده في هذا البيت وإنما استعمل فيهم صيغة التبري = ( قالوا ، يقولون ) فيأتي الأدعياء على هذه الصَّيغ ويحملوها ما لم تحتمل ويجعلوها رأي واعتقاد المؤرخ والنسابة الذي ذكرها (!) فالنسابة إذا تكلم على قبيلة أو عشيرة واستعمل ( قالوا و يقولون ) ليس هذا قوله في نسبهم ولا اعتقاده فيهم وإنما نقل قولهم في نسبهم بصيغة التبري منه .
ولضعف الأدعياء تعلقهم بهذه الصِّيغ لافتقارهم من النصوص الصريحة والواضحة ، فوجدوا هذه منفس لهم وترقيعاً لدعواهم الباطلة .

 6ـ الاعتماد على ( وثائق البيع والشراء ) :

 قال أحمد أبو بكرة الترباني : عُرفت المحاكم الشرعية أبان الدولة العثمانية بتساهلها المُفرط في الأنساب الشريفة ، لأن هذه الوثائق ـ البيع والشراء ـ يدخلها التساهل ، ومثاله : ( اشترى الحسيب الشريف فلان بن فلان ) فهذه الوثائق تُقبل بشرط إذا وجدت الأقوال العلمية في ثبوت هذا النسب ، أما إذا توفر ( الناقض العلمي وانعدام الأقوال العلمية ) واستشهد بهذه الوثائق فقط (!) فلا تثبت له نسباً ، قال الزرقاني المالكي في ( شرحه على مختصر الخليل ): ( ولو ترك القاضي تسجيل زعمت أو زعم وكتب واشترى فلان بن فلان أو فلان الشريف سلعة كذا مثلاً ، فلا يثبت به نسب ولا شرفه عندنا حيث كان مجهولا )[2] .
وهذا النوع كثير اليوم ، نجد قبائل وعشائر تكلم فيها العلماء وبينوا أنسابها وأنها قحطانية ، فيخرج لنا بعض الأدعياء منهم ويستدل بوثيقة ( بيع وشراء ) من المحاكم الشرعية في ( غزة أو القدس أو دمشق أو القاهرة ) فيها : ( اشترى السيد أو الشريف فلان بن فلان ) فهذه الوثيقة شهادة شراء فقط وليست بشهادة نسب لأن نسب هذا الرجل قد عُرف وبينه العلماء فلا تثبت هذه الوثيقة نسبه ، وإنما تقبل إذا توفرت النصوص العلمية القديمة في ثبوت هذا النسب وتصبح هذه الوثيقة قرينة لصحة النسب وغير ذلك لا تُقبل ؛ لأن هذه الوثائق والشهادات ليست بشهادة نسب وإنما هي بيع وشراء  وكما قال العلامة السبكي في ( الفتاوى ) : ( فإذا رأينا مكتوباً ليس مقصوده إثبات النسب لم نحمله على إثبات النسب ، ولا يجوز التعلق به في إثباته إذا كان المقصود به غيره )[3]  .
والمقصود من هذه الوثائق والشهادات اثبات = ( بيع وشراء ) وليست مشاهد نسبية .  

6 ـ ركون الأدعياء لنشر الإشاعات والتهم :

قال أحمد أبو بكرة الترباني :  يعتمد الأدعياء على نشر الأكاذيب والتُهم حول أهل النسب الثقات للتنفير منهم ، بل يطعنوا في أنسابهم وأعراضهم ، وهذا مشاهد ، فإنك لو تكلمت على انساب الأدعياء بعلم وحجة ، تجد الأكاذيب تشاع عليك من قبلهم حتى لا ينتشر قولك فيهم (!) بل تجدهم يركنوا إلى اختلاق المقالات والبيانات المكذوبة في ذم القبائل العربية ونسبته إليك من أجل تنفير الناس من قولك وهذه الأساليب الشيطانية لا تجدها إلا عند الأدعياء لسوء معادنهم وخُبثها ، فثق أن الكذب والغِش لا يطول فالحق أبلج .

7ـ  تصيد الأدعياء للخلافات القائمة بين أهل النسب

قال أحمد أبو بكرة الترباني : يتربص الأدعياء الفُرص للإطاحة بأهل النسب وذلك باستغلال خلافاتهم مع بعضهم البعض ، فإذا اختلف نسابة مع نسابة آخر في مسألة علمية يهرع الأدعياء لشحن أحدهم على الآخر ويحاولوا إشعال الخلاف بقوة لأن هدفهم إسقاط هؤلاء .

8ـ  الإسقاط النفسي عند الأدعياء :
 قال أحمد أبو بكرة الترباني : عُرفت أخلاق الأدعياء عند الكثير من الناس بأنهم : ( فجرة و كذبة ) فتجد الأدعياء يسقطوا هذه الأخلاق المُتغلغة بعروقهم في غيرهم ويزعموا أن علماء النسب أهل تزوير وكذب .... الخ ، وهذه الأخلاق السيئة فيهم ويحاولوا إلصاقها بأهل النسب للتنفير .

وختاماً : هذه الطُرق الخبيثة من أهم طُرق الأدعياء الكذبة وأنتنها ، فعلى طالب العلم والعوام أن يكونوا على بيان من أفعال هؤلاء الفجرة ممن جعلوا مخافة الله خلف ظهورهم .

وكتبه :
أحمد بن سليمان بن صباح أبو بكرة الترباني
16/ رمضان / 1437هـ





[1] ـ  نقلاً من كتاب ( تاريخ الشام في مطلع العهد العثماني ) ( ص 228 ) .
[2] ـ  ( 7/ 342 ) نقلاً من رسالة النسابة الشريف إبراهيم الهاشمي الأمير في رده على كذاب عصره الدَّعي " علاء ديروان الجلبي الدمشقي ) .
[3] ـ ( الفتاوى ) ( 2/460 ) نقلاً من رسالة حبيبنا النسابة إبراهيم الهاشمي الأمير " وقفة مع القول المشهور الناس مؤتمنون على أنسابهم " . 

بنو عطية عند المؤرخ القطب النهروالي 990هـ



                            



               بنو عطية عند المؤرخ القطب النهروالي  ( 990هـ )

يُعد القطب النهروالي المتوفى سنة ( 990هـ ) من مؤرخي مكة الكِبار وهو صاحب كتاب ( الإعلام بأعلام بلد الله الحرام ) وهو صاحب رحلة .

صَّنف المؤرخ القطب النهروالي رسالة في رحلته للمدينة وبلاد الروم وذكر منازل القبائل العربية القاطنة على طريق الحاج المصري والشامي ، وهذه الرحلة سمَّاها ( الفوائد السنية في الرحلة المدنية والرومية ) ولا تزال هذه الرسالة مخطوطة ، وقد أرسل لي الأخ الباحث يوسف الحارثي صاحب كتاب ( وقف أبي نمي بين الحقيقة والوهم ) نُسخة من هذه المخطوطة النفيسة ، وقد جاء فيها ما يُعانق ويُسلم على نصوص الفقيه النسابة عبد القادر الجزيري المتوفى سنة ( 977هـ ) حيث ذكر القُطب النهروالي دركُ قبائل بني عطية وأن أصل دركهم من العقبة إلى مصر ، وذكر أن قبائل بني عطية : ( قوم كثيرون ) .

قال القطب النهروالي في رحلته ( ص 13 ) : ( الخامس : بني عطية وهم قوم كثيرون وأصل الدرك ، ومنهم : الحويطات وشيخهم ، وهم كثيرون ودركهم من العقبة إلى مصر وعادتهم ما تقدم ) .

قال أحمد أبو بكرة التُرباني : قوله : ( قوم كثيرون ) بينها النسابة الفقيه الجزيري وفصًّل فيهم وعدَّدَهم وهم : ( الترابين ، الحويطات ، الوحيدات ، السواركة ، المعازة ـ وهم بني عطية تبوك ـ الرتيمات ، المساعيد ... الخ ) فهؤلاء قبائل بني عطية والذي أشار لهم القُطب النهروالي بأنهم : ( قوم كثيرون ) .

ويذكر المؤرخ المكي النهروالي قبيلة ( الحويطات ) وأنها عطوية النسب ، وهذا يُعانق نصوص النسابة الفقيه الجزيري ويُبين معرفته التامة والدقيقة بقبائل بني عطية والذي فصَّل فيهم في كتابه النفيس ( الدُرر الفرائد ) .

وُيبين للقارئ والباحث المُنصف بأن هذه القبائل : ( الترابين ، الحويطات ، الوحيدات ، المساعيد ، المعازة ...... الخ ) في النصوص القديمة عطوية النسب جُذامية العرق وأما الكتب المُعاصرة فقد قطَّعت أوصال هذه القبائل وشتت انسابها بفعل جهالها وأهل القمرا من الكُتَّاب وبُعدهم عن التأصيل العلمي .

وكتبه :
أحمد أبوبكرة الترباني 

العلامة الأصل فيه للنسابة





        العلَامة الأصلُ فيه للنسّابة



زُرتُ شيخنا ( محمد بن عمر بن سالم بازمول ) ـ حفظه الله ـ يوم الخميس بتاريخ 7/7/1437هـ بعد صلاة المغرب برفقة حبيبنا وأستاذنا (  الشريف إبراهيم بن منصور الهاشمي الأمير ) للسلام عليه والاستفادة من علمه ، وبعد أن أكرمنا ـ حفظه الله ـ دار في مجلسه العامر نقاش علمي حول عناية أهل الحديث بالأنساب ، ومما أتحفنا به ـ حفظه الله ـ فائدة جليلة حول معنى لقب ( العلامة ) وأن الأصل فيه لمن يشتغل في الأنساب .
وقد نشر شيخنا محمد بازمول ـ حفظه الله ـ هذه الفائدة ضمن الفوائد التي نثرها بيننا حيث قال : ( فضَّل علي سيادة الشريف إبراهيم ألأمير، بزيارة مع فضيلة الشيخ أبي مشعل أحمد الترباني حفظه الله، وكان مما دار في المجلس بعض الفوائد التي انتثرت في المجلس ، فأردت عقد نظامها في هذا المنشور:
فائدة (1) :
( العلامة (  الأصل فيه أنه يطلق على العالم بالأنساب ؛ لأن مادة (ع. ل. م) تدلُّ على أثَرٍ بالشيء يتميَّزُ به عن غيره ، انظر: مقاييس اللغة (4/ 88). والعالم بالأنساب يميز الناس بأنسابهم، فهو (علام) و ( العلام ) من (علم) للمبالغة والنسابة، وتزاد التاء لتأكيد المبالغة تقول فلان علامة ، المعجم الوسيط ( 2/ 624 ) ... ) .

قال أحمد أبو بكرة الترباني : ولتأكيد هذه الفائدة العزيزة من شيخنا محمد بازمول ـ حفظه الله ـ :

 ما جاء في الحديث الضعيف والذي أخرجه ابن عبد البر في ( الجامع ) ( رقم 849 ) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : (  أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَرَأَى جَمْعًا مِنَ النَّاسِ عَلَى رَجُلٍ فَقَالَ : مَا هَذَا ؟ قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ رَجُلٌ عَلامَةٌ ، قَالَ : " وَمَا الْعَلامَةُ ؟ " قَالُوا : أَعْلَمُ النَّاسِ بِأَنْسَابِ الْعَرَبِ ، وَأَعْلَمُ النَّاسِ بِعَرَبِيَّةٍ ، وَأَعْلَمُ النَّاسِ بِشَعْرٍ ، وَأَعْلَمُ النَّاسِ بِمَا اخْتَلَفَ فِيهِ الْعَرَبُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " هَذَا عِلْمٌ لا يَنْفَعُ وَجَهْلٌ لا يَضُرُّ ) .
وعلى عدم نسبة هذا الحديث للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ونكارة متنه كما قال ابن حزم في ( الجمهرة ) ( ص4 ) : ( وهذا باطل ببرهانين: أحدهما: أنه لا يصح من جهة النقل أصلاً، وما كان هكذا فحرام على كل ذي دين أن ينسبه إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ  ؛ خوفً أن يتبوأ مقعده من النار، إذ تَقَوَّل عليه ما لم يقل؛ والثاني: أن البرهان قد قام بما ذكرناه على أن علم النسب علمٌ ينفع، وجهل يضرُّ في الدنيا والآخرة، وكان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ  يتكلم في النسب .. ) .

 إلا أن في هذا الخبر الضعيف ما يُبين أن الأصل في ( العلامة ) يُطلق على ( النسابة ) .

قال ابن منظور في ( اللسان ) ( 2/266) : (والعلام والعلامة : النسابة ، وهو من العلم  ( .

قال الزبيدي في ( التاج ) ( 1/ 7826 ) : (العلامة والعلام : النسابة ) .

قال علي القاري في ( عُمدة القاري شرح صحيح البخاري ) ( 2/ ص 3 ) : ( والعلام والعلامة : النسابة ) .

وقد أخرج الإمام مسلم في ( صحيحه ) ( 1978) قول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( لَعَنَ اللَّهُ مَنْ غَيَّرَ مَنَارَ الأَرْضِ ) ومنار الأرض هي  علاماتها من الدلالات والإشارات ، قال الشيخ ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ في ( مجموع فتاوى ) ( 9/216 ) : ( قوله : ( منار الأرض ) أي : علاماتها ومراسيمها ... )  وكذلك علامات الناس هي أنسابها حيث نقول : (طائي أو جُذامي أو قُرشي أو لخمي أو كِندي أو مذحجي أو أزدي .... الخ ) فهذه علامات العرب ،  فـذاك من ( لخم ) علامة لذاك الرجل و ذاك من ( جُذام ) علامة له ، فالأنساب علامات الناس ، فإذا كان من يُغير ويتلاعب بعلامات الأرض ملعون فما بالك فيمن يُغير ويتلاعب بعلامات الناس وهي ( الأنساب ) .
وكتبه :
أحمد بن سليمان بن صباح أبو بكرة الترباني
11/7/1437هـ .

حمارة القايلة في موروث قبيلة الترابين







نسمعُ قول العامة من كبار السن من قبيلتي الترابين  : " لا تخرج ظهراً حتى لا تظهر لك حمارة القايلة  " قصدهم في ذلك الزجر والتخويف أو القِصص التي يذكرونها في تغول الغيلان ، قولهم : ( رأيتُ يدهُ يدُ كلبٍ أو يدهُ يدُ حِمار ) كل هذه الأقوال والقصص التي كان تُرعبنا ونحنُ صغار لها أصل في السُنة واللغة ، وقد جعلت مقالتي على هذا المنوال :

1ـ أصل حمارة القايلة .
2ـ استعمالها للزجر والتخويف في وقت القيلولة .
3ـ مقولة : " يدهُ يدُ كلبٍ أو حمار " .
ونشرع الآن في المقال .

                         ( أصل حمارة القايلة )

قال الأزهري في " التهذيب "[1] : (قال الليث : حمارة الصيف شدة وقت حره. قال ولم أسمع كلمة على تقدير فعالة غير الحمارة والزعارة وهكذا  (.
وقال المرزوقي في ( الأمكنة والأزمنة ) : (وحمّارة القيظ أشد ما يكون منه يقال: أتيته في حمارة القيظ، وفي حمر القيظ وفي حمرة القيظ، وحمر كل شيء أشده. قال أبو حاتم: وسألت الأصمعي، هل يقال: حمرة الشتاء فقال: حمرة القيظ يعرف، وهاب أن يقال: حمرة الشّتاء والوديقة : شَر الحر  [2](.

قال أحمد أبو بكرة الترباني : فحمّارة القيظ أو القايلة هو زمن شدة الحَر  أو حُمرة الشمس وشدة الحر إلا أن العامة حرفوها للحمار ذاك الحيوان الأهلي وجعلوها من باب الزجر والتخويف من عدم الخروج في هذا الوقت ، واختيارهم للحمار من باب تغول الغيلان على صورته ، فيقولون : ( رجله رجل حمار ) .

              (استعمالها للزجر والتخويف في وقت القيلولة )

جاء في الحديث الحسن : " قيلوا فإن الشياطين لا تقيل [3]" .

قال أحمد أبو بكرة الترباني : هذا الوقت ـ القيلولة ـ وقت انتشار الجن ، فقد ربط العامة هذا والتحذير من خروج الغيلان على صورة الحمار في هذا الوقت ، فقالوا : ( لا تخرج وقت القيلولة حتى لا تظهر لك حمارة القايلة ) أي : حتى لا يتلاعب بك الجن ويظهر لك بصورة الحمار ويصيبك منه الأذى  ، فأصلها زمن شدة الحر فحرفوها للحمار الحيوان مع ربطها بانتشار الشياطين في هذا الوقت وتغولهم للناس .


                     ( مقولة : " يدهُ يدُ كلبٍ أو حمار " )

نسمع هذه المقولة من كبار السن عند ذكر بعض الوقائع التي حدثت معهم من تغول الغيلان لهم ، إلا أن لها أصل في السُنة وكذا حوادث الناس .

أخرج الطبراني في ( المعجم الكبير )[4] عن محمد بن أُبيّ بن كعب عن أبيه  أَنَّهُ "  كَانَ لَهُ جُرْنٌ مِنْ تَمْرٍ ، فَكَانَ يَنْقُصُ ، فَحَرَسَهُ ذَاتَ لَيْلَةٍ ، فَإِذَا هُوَ بِدَابَّةٍ شِبْهِ الْغُلامِ الْمُحْتَلِمِ ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ ، فَرَدَّ عَلَيْهِ السَّلامَ ، فَقَالَ : مَا أَنْتَ ، جِنِّيٌّ أَمْ إِنْسِيٌّ ؟ ، قَالَ : لا بَلْ جِنِّيٌّ ، قَالَ : فَنَاوِلْنِي يَدَكَ ، فَنَاوَلَهُ يَدَهُ ، فَإِذَا يَدُهُ يَدُ كَلْبٍ ، وَشَعْرُهُ شَعْرُ كَلْبٍ ، قَالَ : هَكَذَا خَلْقُ الْجِنِّ ، قَالَ : قَدْ عَلِمَتِ الْجِنُّ أَنَّ مَا فِيهِمْ رَجُلٌ أَشَدُّ مِنِّي ، قَالَ : فَمَا جَاءَ بِكَ ؟ قَالَ : بَلَغَنَا أَنَّكَ تُحِبُّ الصَّدَقَةَ ، فَجِئْنَا نُصِيبُ مِنْ طَعَامِكَ ، قَالَ : فَمَا يُنْجِينَا مِنْكُمْ ؟ قَالَ : هَذِهِ الآيَةُ الَّتِي فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ : ( اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ) مَنْ قَالَهَا حِينَ يُمْسِي أُجِيرَ مِنَّا حَتَّى يُصْبِحَ ، وَمَنْ قَالَهَا حِينَ يُصْبِحُ أُجِيرَ مِنَّا حَتَّى يُمْسِيَ ، فَلَمَّا أَصْبَحَ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ ، فَقَالَ : صَدَقَ الْخَبِيثُ "  ..

قال أحمد أبو بكرة الترباني : ظَنَّ الكثير من الناس في " إبراهيم بن هُدبة " الذي كان يكذب في حديث رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه شيطان واجتمعوا حوله وطلبوا منه أن يُخرج رجله لأنهم كانوا يخافون أن تكون رجله ( رجل حمار ) فيكون شيطان .

أخرج البغدادي في " تاريخه "[5] بسنده عن عباس بن محمد قال : سمعت يحيى بن معين يقول : ( قَدِمَ أبو هُدبة فاجتمع عليه الخلقُ فقالوا له : ( أخرج رجلك  ! ) فقالوا ليحيى : لما قالوا له ( أخرج رجلك ؟! ) قال  : كانوا يخافون أن تكون رجله رجل حمار ، يكون شيطاناً ).

وكتبه :
أحمد بن سليمان بن صباح أبو بكرة الترباني
جرش ـ الأردن


[1] ـ ( 2/116 ) .
[2] ـ ( 1/147 ) .
[3] ـ أخرجه أبو نعيم في ( الطب ) ( 151) وأبو الشيخ في ( طبقات المحدثين ) ( 4/176) وابن المقرئ في ( المعجم ) ( 647) وحسنه الألباني ـ رحمه الله ـ في ( الصحيحة ) (4 / 202 ) .
[4] ـ ( 542) .
[5] ـ ( 7/ 156 ) .