حمارة القايلة في موروث قبيلة الترابين







نسمعُ قول العامة من كبار السن من قبيلتي الترابين  : " لا تخرج ظهراً حتى لا تظهر لك حمارة القايلة  " قصدهم في ذلك الزجر والتخويف أو القِصص التي يذكرونها في تغول الغيلان ، قولهم : ( رأيتُ يدهُ يدُ كلبٍ أو يدهُ يدُ حِمار ) كل هذه الأقوال والقصص التي كان تُرعبنا ونحنُ صغار لها أصل في السُنة واللغة ، وقد جعلت مقالتي على هذا المنوال :

1ـ أصل حمارة القايلة .
2ـ استعمالها للزجر والتخويف في وقت القيلولة .
3ـ مقولة : " يدهُ يدُ كلبٍ أو حمار " .
ونشرع الآن في المقال .

                         ( أصل حمارة القايلة )

قال الأزهري في " التهذيب "[1] : (قال الليث : حمارة الصيف شدة وقت حره. قال ولم أسمع كلمة على تقدير فعالة غير الحمارة والزعارة وهكذا  (.
وقال المرزوقي في ( الأمكنة والأزمنة ) : (وحمّارة القيظ أشد ما يكون منه يقال: أتيته في حمارة القيظ، وفي حمر القيظ وفي حمرة القيظ، وحمر كل شيء أشده. قال أبو حاتم: وسألت الأصمعي، هل يقال: حمرة الشتاء فقال: حمرة القيظ يعرف، وهاب أن يقال: حمرة الشّتاء والوديقة : شَر الحر  [2](.

قال أحمد أبو بكرة الترباني : فحمّارة القيظ أو القايلة هو زمن شدة الحَر  أو حُمرة الشمس وشدة الحر إلا أن العامة حرفوها للحمار ذاك الحيوان الأهلي وجعلوها من باب الزجر والتخويف من عدم الخروج في هذا الوقت ، واختيارهم للحمار من باب تغول الغيلان على صورته ، فيقولون : ( رجله رجل حمار ) .

              (استعمالها للزجر والتخويف في وقت القيلولة )

جاء في الحديث الحسن : " قيلوا فإن الشياطين لا تقيل [3]" .

قال أحمد أبو بكرة الترباني : هذا الوقت ـ القيلولة ـ وقت انتشار الجن ، فقد ربط العامة هذا والتحذير من خروج الغيلان على صورة الحمار في هذا الوقت ، فقالوا : ( لا تخرج وقت القيلولة حتى لا تظهر لك حمارة القايلة ) أي : حتى لا يتلاعب بك الجن ويظهر لك بصورة الحمار ويصيبك منه الأذى  ، فأصلها زمن شدة الحر فحرفوها للحمار الحيوان مع ربطها بانتشار الشياطين في هذا الوقت وتغولهم للناس .


                     ( مقولة : " يدهُ يدُ كلبٍ أو حمار " )

نسمع هذه المقولة من كبار السن عند ذكر بعض الوقائع التي حدثت معهم من تغول الغيلان لهم ، إلا أن لها أصل في السُنة وكذا حوادث الناس .

أخرج الطبراني في ( المعجم الكبير )[4] عن محمد بن أُبيّ بن كعب عن أبيه  أَنَّهُ "  كَانَ لَهُ جُرْنٌ مِنْ تَمْرٍ ، فَكَانَ يَنْقُصُ ، فَحَرَسَهُ ذَاتَ لَيْلَةٍ ، فَإِذَا هُوَ بِدَابَّةٍ شِبْهِ الْغُلامِ الْمُحْتَلِمِ ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ ، فَرَدَّ عَلَيْهِ السَّلامَ ، فَقَالَ : مَا أَنْتَ ، جِنِّيٌّ أَمْ إِنْسِيٌّ ؟ ، قَالَ : لا بَلْ جِنِّيٌّ ، قَالَ : فَنَاوِلْنِي يَدَكَ ، فَنَاوَلَهُ يَدَهُ ، فَإِذَا يَدُهُ يَدُ كَلْبٍ ، وَشَعْرُهُ شَعْرُ كَلْبٍ ، قَالَ : هَكَذَا خَلْقُ الْجِنِّ ، قَالَ : قَدْ عَلِمَتِ الْجِنُّ أَنَّ مَا فِيهِمْ رَجُلٌ أَشَدُّ مِنِّي ، قَالَ : فَمَا جَاءَ بِكَ ؟ قَالَ : بَلَغَنَا أَنَّكَ تُحِبُّ الصَّدَقَةَ ، فَجِئْنَا نُصِيبُ مِنْ طَعَامِكَ ، قَالَ : فَمَا يُنْجِينَا مِنْكُمْ ؟ قَالَ : هَذِهِ الآيَةُ الَّتِي فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ : ( اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ) مَنْ قَالَهَا حِينَ يُمْسِي أُجِيرَ مِنَّا حَتَّى يُصْبِحَ ، وَمَنْ قَالَهَا حِينَ يُصْبِحُ أُجِيرَ مِنَّا حَتَّى يُمْسِيَ ، فَلَمَّا أَصْبَحَ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ ، فَقَالَ : صَدَقَ الْخَبِيثُ "  ..

قال أحمد أبو بكرة الترباني : ظَنَّ الكثير من الناس في " إبراهيم بن هُدبة " الذي كان يكذب في حديث رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه شيطان واجتمعوا حوله وطلبوا منه أن يُخرج رجله لأنهم كانوا يخافون أن تكون رجله ( رجل حمار ) فيكون شيطان .

أخرج البغدادي في " تاريخه "[5] بسنده عن عباس بن محمد قال : سمعت يحيى بن معين يقول : ( قَدِمَ أبو هُدبة فاجتمع عليه الخلقُ فقالوا له : ( أخرج رجلك  ! ) فقالوا ليحيى : لما قالوا له ( أخرج رجلك ؟! ) قال  : كانوا يخافون أن تكون رجله رجل حمار ، يكون شيطاناً ).

وكتبه :
أحمد بن سليمان بن صباح أبو بكرة الترباني
جرش ـ الأردن


[1] ـ ( 2/116 ) .
[2] ـ ( 1/147 ) .
[3] ـ أخرجه أبو نعيم في ( الطب ) ( 151) وأبو الشيخ في ( طبقات المحدثين ) ( 4/176) وابن المقرئ في ( المعجم ) ( 647) وحسنه الألباني ـ رحمه الله ـ في ( الصحيحة ) (4 / 202 ) .
[4] ـ ( 542) .
[5] ـ ( 7/ 156 ) .