نوح اليمامة في موروث قبيلة الترابين




تُعد الطيور عند أطفال البادية أداة تسلية ولعب ، فهم يعشقون مُطاردة الطيور وصُنع الحيل والفِخاخ لصيدها .. ومن أهازيج الأطفال لصيد طائر يُعرف بـ ( البِرقي  ـ رمادي اللون ـ) والتحايل عليه ، قولهم :

                              " يا أبو عواد .. مِنك لغاد .. دود وجراد "

فالطائر عند أطفالنا أداة تسلية ولعب ، وليس هذا بجديد ، فقد  جاء في حديث أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ : ( كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ  يدخل علينا ولي أخ صغير يُكنى أبا عمير ، وكان له نُغير يلعب به ، فمات ، فدخل عليه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ  ذات يوم فرآه حزينا ، فقال : ما شأنه ؟ قالوا : مات نغيره ، فقال : يا أبا عُمير ما فعل النُغير ؟ )[1] .

وقد صنَّفَ ابن القاص رسالة في فوائد هذا الحديث بعنوان (جزء فيه فوائد حديث أبي عمير ) ومن الوفائد التي ذكرها :

1ـ وفي قوله مات نغيره الذي كان يلعب به تركه النكير بعد ما سمع ذلك دليل على لرخصة في اللعب للصبيان .
2ـ وفيه دليل على إمساك الطير في القفص .
3ـ وقص جناح الطير لمنعه من الطيران وذلك أنه لا يخلو من أن يكون النغيرة التي كان يلعب بها في قفص أو نحوه ومن شد رجل أو غيره أو أن تكون مقصوصة الجناح ، فأيهما كان المنصوص فالباقي قياس عليه لأنه في معناه وقد كان بعض الصحابة يكره قص جناح الطائر وحبسه في القفص .

و " النغير " طائر يُشْبِه العُصْفور أحمر المِنْقار ويُجمع على : نِغْرَان[2] .

وهذه صورته للفائدة :



وبعد هذه العتبة ندخل في لُب مقالنا :

طائر اليمامة أو ما نسميه " الجمامة " هو الحمام البري ، قال البغدادي في " خزانته ": (حكى أبو عبيد في الغريب المصنف عن الأصمعي أنه قال: " اليمام ضرب من الحمام بري " و حكى أبو حاتم عن الأصمعي في كتاب الطير الكبير: واليمام، واحده يمامة، الحمام البري ، وحمام مكة يمام أجمع ، قال أبو حاتم: والفرق بين الحمام الذي عندنا، واليمام: أن أسفل ذنب الحمام مما يلي ظهرها إلى البياض، وكذا حمام الأمصار، وأسفل ذنب اليمامة لا بياض فيه... )[3].

ومن الأمثال التي قيلت في هذا الطائر ما ذكره الدُميري في كتابه ( حياة الحيوان الكُبرى ): (كن مع الناس يمامة يعني أرفق بهم ولا تنفرهم )[4] وقد شرح هذا المثل الأخ شريف التُرباني في إحدى مقالته فأنظره .



وهذه صورة اليمامة ـ الجمامة ـ للفائدة : 





هذا الطائر الجميل لنوحه قصة في موروث أعراب النقب ومنها قبيلتي الترابين ، صنعها الرواة بقصد الحِكم وأخذ العِبر وإن كانت لا تَصح ، قولهم : ( أن سبب نَّوحُ هذه اليمامة ـ الجمامة ـ أنها تبكي أخاها وكان يُدعى ( قيس ) الذي مات صغيراً وكانت هي غائبة عنه ، فلما عادت وجدته مقتولاً ( !! ) فتمَّرَغت في دمه وصارت تنوح عليه قائلةً : يا قيس قُم ... يا قيس قُم ... يا قيس قُم ).

وهُناك رواية أخرى تقول : ( أن سبب نوح هذه اليمامة أنها طلبت من زوجها أن يُحضر لها عباءة ( ! ) من الجوخ ، فأحضر لها عباءة من الجوخ إلا أنها وقعت منه في احد الأودية ، فحزنت هذه اليمامة وصارت تبحث عنها بين السهول والوديان وهي تقول : يا جوختي ... يا جوختي ... يا جوختي ... ) .

قال أحمد أبوبكرة التُرباني : وإن كانت هذه القصص لا تصح أبداً إلا أن فيها تسلية لأهل المصائب وكذا العِبر والمواعظ على لسان الطير ( ! ) .

وكتبه :
أحمد بن سُليمان بن صباح أبوبكرة التُرباني


[1] ـ أخرجه البخاري ( 4971) ومسلم ( 2150) .
[2] ـ قاله ابن الأثير في ( النهاية ) ( 5/191 ) .
[3] ـ ( 4/25) .
[4] ـ ( 2/ 257 ) .