سألني
بعض الأخوة عن نسب قُضاعة العريقة والشريفة وإلى من يَرجع ؟! وكيف الجمع بين
الأقوال فيها ؟!
قال أحمد أبوبكرة التُرباني : قُضاعة من ولد مالك بن حِمير كما بين ذلك رسول الله ـ صلى الله
عليه وسلم ـ ثم قول نسابة العرب عامة وقُضاعة خاصة ابن الكلبي ، وأما الجمع بين
الأقوال وحل هذا النِزاع القائم ، فيكون على منهج نسابة العرب ابن الكلبي القُضاعي
: أن قُضاعة من حِمير ولادة ومن معد بالتبني .
وأحببت أن أُحرر جوابنا في هذه الرسالة وجعلتها بعنوان : ( أربح البِضاعة
في حَلِّ النزاع القائم في نسبِ قُضاعة ) والله الموفق .
( نسب قضاعة )
قال عقبة بن عامر ـ
رضي الله عنه ـ : ( سمعت رسول الله ـ صلى الله
عليه وسلم ـ يقول
: " من كان منكم من معد فليقم " ، فذهبت لأقوم ، فقال : " اقعد " ثم قال ذلك الثانية ، فقمت ، فقال : " اقعد " ، ثم
قال الثالثة ، فقمت ، فقال : " اقعد " فقلت : من نحن يا رسول الله ؟ قال
: " أنتم من قضاعة بن مالك بن حمير ".. ) .
( حسن )
أخرجه ابن وهب في (
الجامع ) ( 21 ) وابن سعد في ( الطبقات ) ( 4/489 ) والطبراني في ( الكبير ) (14275)
وأبو نعيم في ( المعرفة ) ( 5421 ) والروياني في ( مسنده ) ( 228 ) والطحاوي في (
المشكل ) ( 2/204 ) وابن عبد الحكم في (
فتوح مصر ) ( 272 ) وابن عساكر في ( تاريخه ) ( 42237 ) .
والحديث في إسناده
ابن لهيعة إلا أن رواية ( عبد الله بن وهب
) عنه صحيحة ، وتابعه ( قتيبة بن سعيد )
وروايته عن ابن لهيعة أيضاً صحيحة ، وأما معروف بن سويد الجُذامي شيخ ابن لهيعة
فقد وثقه ابن حبان وكذا الذهبي في ( الكاشف ) ( 3/ 5647 ) وقال عنه ابن حجر في (
التقريب ) ( 6793 ) : ( مقبول ) فالحديث
حسن .
وللحديث شواهد أخرى
عن سبرة بن معبد الجهني وعمرو بن مرة الجهني .
وأما حديث : ( أتدرين
من قضاعة ) فهو حديث ضعيف لا يُحتج به ، أخرجه العقيلي في ( الضعفاء ) ( 2/516
) وابن الأعرابي في ( المعجم ) ( 741 ) فيه سلمة الضبي قال فيه العقيلي : (
مجهول بالنقل ، لا يُعرف إلا بهذا الحديث ، ولا يتابع عليه على حديثه من وجه صحيح
) وقال ابن عبد البر في ( الأنباه ) (31) : ( ليس دون هشام من يُحتج به ) .
( قُضاعة عند إمام أهل النسب ابن الكلبي القُضاعي )
نسابة قضاعة وإمام
أهل النسب قاطبة وهو هشام ابن الكلبي يرفع نسب قضاعة إلى حِمير كما في ( نسب
معد واليمن ) ( 551 ) ونقل ذلك أيضاً الحافظ ابن عبد البر في ( الأنباه ) ( ص
34 ) : ( قال ابن الكلبي : قُضاعة بن مالك بن عمرو بن
مرة بن زيد بن مالك بن حمير ) وابن الكلبي لا يُقدم على كلامه أحد
في الأنساب وأيام الناس ، قال الحافظ مغلطاي في ( الزهر الباسم ) ( 484 ) : ( وهو بمعرفة الأخبار أعلى ، فكلامه إذاً أولى ؛ لأن كثيراً من
العلماء لا يقدمون في علم الأيام والأنساب عليه أحداً ) .
قال أحمد أبوبكرة الترباني : هذا التقديم في أنساب العرب عامة ، فكيف إذا تكلم في نسب أصل جذره
( قُضاعة ) ؟! وهو المُقدم عند أهل الحديث
والعربية في الأنساب ، وكان أهل الحديث يسألونه عن أنساب العرب ، أخرج الحافظ
مغلطاي في ( الإكمال ) ( 9/ 288 ) في ترجمة الإمام المُسند علي بن حرب : ( قال علي بن حرب : سألت هشام بن محمد عن نسب الأزد ، فأملى علي
أبيات حسان بن ثابت .. ) .
وقد ساق الأمير
والأديب أسامة بن مرشد وهو من كلب نسبه إلى قُضاعة بن مالك بن حمير ، قال ياقوت في
( معجم الأدباء ) ( ترجمة ـ 218 ) بعد أن ساق نسب الأمير الأديب أسامة بن مرشد إلى
قضاعة بن مالك بن حمير : ( هكذا ذكر هو نسبه
) .
وقد ذكر الحافظ
النسابة السمعاني أن رفع نسب قُضاعة إلى حِمير قول من ينتسب لقضاعة ، كما في (
الأنساب ) ( 3259 ) : ( ومن نسبه فيهم ، قال : عمرو
ابن مالك بن عمرو بن مرة بن زيد بن مالك بن حمير بن سبأ ، ولقبه قضاعة
) .
وغالب أهل الحديث عند
ذكرهم أعلام قُضاعة ساقوا أنسابهم إلى قُضاعة بن مالك بن حمير ، كالخطيب البغدادي
في ( تاريخه ) ( 5068 ) عند ترجمة ( أبو معبد الجهني ) وكذلك الحافظ أبو
أحمد الحاكم كما في ( تاريخ دمشق ) ( 66/96 ) عند ترجمة ( أبو ثعلبة الخُشني
) وغيرهم من أئمة الحديث .
1ـ قال ابن إسحاق كما في ( الأنباه ) ( 33 ) : (
قضاعة بن مالك بن حمير بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن
قحطان ) .
2ـ قال أبو عبيد القاسم بن سلام في ( النسب ) (
361 ) : ( وولد قُضاعة بن مالك بن مُرة بن زيد بن
حِمير ... ) .
3ـ قال الحازمي في ( عجالة المبتدي ) ( 31 ) : (
القُضاعي : منسوب إلى قُضاعة : يُقال هو ابن معد بن
عدنان ، ويُقال : هو من حِمير وهو الأكثر والأصح ) .
4ـ قال ابن المبرد في ( الكامل ) ( 581 ) : ( ومن زعم أن قضاعة من بني مالك بن حمير وهو الحق ... )
.
5ـ قال الحافظ مغلطاي في ( الإكمال ) ( 11/ 372
) : ( لأن كلباً من اليمن وكليباً من تميم
) .
6ـ قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في ( الفتح ) (
6/ 638 ) : ( وأختلف في قضاعة ، فالأكثر أنهم من حمير )
.
( الرد على
إجماع البكري المزعوم )
قال البكري في ( فصل
المقال في شرح الأمثال ) كما في ( الزهر الباسم ) ( 206 ) لمغلطاي : ( وأهل العلم بالنسب يجمعون على أن معداً ولد من المعقبين أربعة :
قضاعة وقنصاً وإياداً ونزاراً ) .
قال أحمد أبوبكرة الترباني : وهذا الإجماع غير صحيح ؛ لأن إمام أهل النسب قاطبة ابن الكلبي
القُضاعي ينسب قُضاعة إلى حمير ، فأين إجماع أهل النسب وكبيرهم يُخالف ذلك ؟!
لاسيما أن هُناك خلاف قائم في أولاد معد ، قال الشريف النسابة ابن الجواني في (
أصول الأحساب ) ( 11 ) : ( قال جماعة من النسابين : لم
يكن لمعد غير نزار ) .
وقد رد الحافظ مغلطاي
على البكري وتتبع أوهامه في كتابه ( الدر المنظم في
الكلام على معجم ما استعجم )
كما في كتاب ( التراجم الساقطة من
كتاب الإكمال ) ( 64 ) .
( الجمع والتوفيق في الخلاف على نسب قُضاعة )
قال أحمد أبوبكرة التُرباني : المنهج العلمي في فصل النزاع القائم في نسب قُضاعة هو الجمع
والتوفيق ، على منهج النسابة الحُجة والأول ابن الكلبي كما قال القاضي عياض في (
شرحه على صحيح مسلم ) ( 1/ 52 ) : ( وقد تعارض القولان
في قضاعة ، وذكر ابن الكلبي ما يوفق بينهما ) ونقل السُهيلي في ( الروض
الأنف ) ( 1/ 5 ) : ( وذكر عن ابن الكلبي وغيره أن
امرأة مالك بن حِمير واسمها : عُكبرة ، آمت منه وهي تُرضع قضاعة ، فتزوجها معد ،
فهو رابه ، فتبناه وتكنى به ) وكذا نقل البري في ( الجوهرة ) ( 118 )
قول ابن الكلبي في هذا : ( قضاعة بن مالك بن عمرة بن
مرة بن زيد بن مالك بن حمير ، ثم خلف عليها بعد مالك معد ... ) وقال
الحافظ ابن كثير في ( التفسير ) ( 4/1 ) : ( وقد جمع
بعضهم بين هذين القولين بما ذكره الزبير بن بكار وغيره من أن قضاعة امرأة من جرهم
تزوجها مالك بن حمير فولدت له قضاعة ثم خلف عليها معد بن عدنان وابنها صغير وزعم
بعضهم أنه كان حملا فنسب إلى زوج أمه كما كانت عادة كثير منهم ينسبون الرجل إلى
زوج أمه ، والله أعلم ).
فالجمع
والتوفيق في الخلاف القائم في نسب قُضاعة : أن قضاعة من حِمير كما نص على ذلك رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم
ـ ثم المبرزين من أهل النسب وعلى رأسهم نسابة العرب عامة وقُضاعة خاصة ابن الكلبي ،
فيكون قُضاعة من حِمير ولادة ومن معد بالتبني ، وقد قال الحافظ ابن
عبد البر في ( الأنباه ) ( ص 34 ) : ( أن قضاعة كانت إمرأة من جرهم ، فتزوجها
مالك بن حِمير ، ثم خلف عليها بعد مالك معد ، وقد كانت العرب تنسب الرجل إلى زوج
أمه ... ) .
وكتبه :
أبو سهل
أحمد أبوبكرة التُرباني
21/
رمضان / 1439 هــ