الجواب على حديث : " سبأ ولد عشرة من العرب " .


لقد أُشكل على بعض الأخوة حديث ( سبأ ) وعدم ذكر القبائل القحطانية الأخرى مثل ( همْدان و طيء وخولان ... الخ ) في ولد سبأ ، وأحببت أن أكتب جوابي على هذا الإشكال .


                         حديث ( سبأ ولد عشرة من العرب )

عن فروة بن مسيك المرادي ـ رضي الله عنه ـ : ( أَتَيْتُ النَّبِيَّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ ، فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَلا أُقَاتِلُ مَنْ أَدْبَرَ مِنْ قَوْمِي بِمَنْ أَقْبَلَ مِنْهُم ؟ قَالَ : بَلَى . قَالَ : ثُمَّ بَدا لِي ، فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، لا بَلْ أَهْلُ سَبَأٍ هُمْ أَعَزُّ وَأَشَدُّ قُوَّةً ، فَأَذَنْ لِي فِي قِتَالِ سَبَأٍ ، فَلَمَّا خَرَجْتُ مِنْ عِنْدِهِ ، أَنْزَلَ اللَّهُ فِي سَبَأٍ مَا أَنْزَلَ ، فَأَرْسَلَ النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ إِلَى مَنْزِلِي ، فَوَجَدَنِي قَدْ سِرْتُ ، فَرَدَّنِي ، فَلَمَّا أَتَيْتُهُ وَجَدْتُهُ قَاعِدًا ، وَحَوْلَهُ أَصْحَابُهُ ، فَقَالَ : ادْعُ الْقَوْمَ فَمَنْ أَجَابَكَ مِنْهُمْ فَاقْبَلْ ، وَمَنْ أَبَى وَلا تَعْجَلْ عَلَيْهِ حَتَّى تُحَدِّثَ إِلِيَّ ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ قَوْمٍ : يَا رَسُولَ اللَّه ، وَمَا سَبَأُ ؟ أَرْضٌ ، أَوِ امْرَأَةٌ ، قَالَ : لَيْسَتْ بِأَرْضٍ وَلا امْرَأَةٍ ، وَلَكِنَّهُ رَجُلٌ وَلَدَ عَشْرَةً مِنَ الْعَرَبِ ، فَأَمَّا سِتَّةٌ فَتَيَامَنُوا ، أَمَّا أَرْبَعَةٌ فَتشَامُوا ، فَأَمَّا الَّذِينَ تَشَامُوا : فَلَخْمٌ ، وَجُذَامٌ ، وَغَسَّانُ ، وَعَامِلَةُ . وَأَمَّا الَّذِينَ تَيَامَنُوا : فَالأَزْدُ ، وَكِنْدَةُ ، وَحِمْيَرُ ، وَالأَشْعَرُونَ ، وَأَنْمارُ ، وَمُذْحَجٍ . فَقَالَ رَجُلٌ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَمَا أَنْمَارُ ؟ قَالَ : هُمُ الَّذِينَ مِنْهُم : خَثْعَمٌ ، وَبَجِيلَةُ ) .

( صحيح )

 أخرجه الترمذي في ( السنن ) ( 3222) وأبو داود ( 3988) وأحمد ( 23459 ) وفي ( الفضائل ) ( 1616 ) و الحاكم ( المستدرك ) ( 3545 ) والطحاوي في ( المشكل ) ( 2864 ) و الطبري (26430) وابن أبي شيبة ( 713 ) وابن سعد في ( الطبقات ) ( 1/18 ) والطبراني في ( الكبير ) ( 15255) وابن قانع في ( معجم الصحابة ) ( 1544) وابن أبي عاصم في ( الآحاد ) ( 1699 ) والأصبهاني في ( معرفة الصحابة ) (5696) وابن عساكر في ( تاريخه ) ( 71935 ) .

وقد حسنه الترمذي في ( السنن ) (3222 ) وصححه الحاكم النيسابوري في ( المستدرك ) ( 3545 ) والحافظ ابن عبد البر في ( الاستيعاب ) ( 9/117 ) وقال : ( حديث فروة بن مسيك في سبأ حديث حسن ) وحسنه الحافظ ابن كثير في ( تفسيره ) (6/462 ) وقال : ( إسناده جيد وصححه الألباني ـ رحمه الله ـ في ( صحيح الترمذي ) ( 3222 ) وكذا ( صحيح أبي داود ) ( 3988 )  وقال : ( حسن صحيح ) .

والحديث له شاهد عن ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ عند أحمد في ( الفضائل ) ( 1616 ) وإسناده صحيح فيه ابن لهيعة إلا أن رواية عبد الله بن يزيد المقرئ عنه صحيحة ، قال مجيزنا العلامة المحدث وصي الله عباس في تحقيقه لــ ( فضائل الصحابة ) ( 1616 ) : ( إسناده صحيح ، وابن لهيعة مختلط إلا أن رواية العباد له عنه صحيحة ، وهنا ما روى عنه عبد الله بن يزيد المقرئ )  وصححه العلامة المحدث أحمد شاكر في ( المسند ) ( 4/322 ) وشعيب الأرنؤوط وقال : ( إسناده حسن )  .

 ورواية العبادلة عن ابن لهيعة صحيحة وهذا قول المحققين والذين تتبعوا مرويات ابن لهيعة ـ رحمه الله ـ  وأنصح القارئ بمراجعة تحقيقات العلامة الجبل مُحدث هذا العصر بلا مُنازع الإمام الألباني ـ رحمه الله ـ في مرويات العبادلة عن ابن لهيعة .

 وتابعه عبد الله بن عياش عند الحاكم في ( المستدرك ) ( 3885 ) وابن عياش حديثه في عداد الحسن كما قال ذلك الذهبي في ( السير ) ( 7/334 ) ، وكذلك له شاهد عن تميم الداري ـ رضي الله عنه ـ أخرجه ابن عبد البر في ( القصد ) ( 20 ) .


                   ( معنى حديث سبأ ولد عشرة من العرب )

 فهم بعض الأخوة ـ غفر الله لهم ـ أن هذا الحديث يُفيد الحصر وأن النكارة ظاهرة على متنه (!) فقالوا : ( كيف لم يأت ذكر طيء وهمْدان وخولان .... ) وهي من ولد سبأ ، وفي الحديث حصر ولد سبأ في القبائل التي جاء ذكرها فيه ، وهي : ( حمير والأزد وكندة والأشعرون ، ولخم وعاملة وجذام وغسان وأنما ومذحج ) .

قال أحمد أبوبكرة الترباني : هذا الحديث معناه ظاهر والعدد فيه لا يُفيد الحصر ، قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( لي خمسة أسماء: أنا محمد، وأنا أحمد، وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر، وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي، وأنا العاقب ) والنبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ له أسماء كثيرة غير هذه الأسماء التي ذكرها ، وصنَّف العلماء فيها الكتب ومن أشهرها :

" المنبي في أسماء النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ " لابن فارس .
" أسماء النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ " للحراني واقتصر على تسعة وتسعين .
" أسماء النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ " للخصيبي .

فالعدد لا يُفيد الحصر ، وإنما يُفيد الأشهر ، فالنبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ عندما ذكر هذه القبائل ( لخم وجذام وكندة وحمير والأزد وغسان ... ) قصد الأشهر لا الحصر ، وذكر هذه القبائل في وقت الانتشار والافتراق ، ولهذا جاء في أمثال العرب : ( تفرقت أيدي سبأ ) فجاء ذكر هذه القبائل على سبيل البيان والشرح أنها من ولد سبأ وانتشرت وافترقت ، ودليل ذلك أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ذكر ( الأزد ) ممن تيامنوا وذكر ( غسان ) ممن تشاوموا ، ومن المعلوم أن غسان من ولد الأزد أصلاً  ، فقعدت عن الأزد واكتفت باسمها ، وهذا يُبين لك ـ أخي القارئ ـ أن النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ أراد ذكر الأشهر زمن الافتراق والانتشار على سبيل البيان والشرح .

فعدم ذكر ( طيء وهمْدان وخولان ) وغيرها لا يعني أنها ليست من ولد سبأ أبداً ، وإنما كما ذكرت آنفاً أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قصد البيان والشرح وذكر الأشهر وقت الانتشار والتفرق لا الحصر ، وإلا فإن ( طيء وهمْدان وخولان ) من ولد سبأ بالإجماع .

ولو قائل قائل : ( جاء في الحديث " ولد عشرة من العرب " وجعل هذه القبائل ( جذام ولخم وكندة وحمير ... الخ ) لصلبه ) !

قال أحمد أبوبكرة الترباني : لا يُفهم أنهم أولاده لصُلبه ، قال ابن كثير في ( تفسيره ) ( 6/494 ) : ( ومعنى قوله : " ولد له عشرة من العرب "  أي : كانوا من نسله هؤلاء العشرة الذين يرجع إليهم أصول القبائل من عرب اليمن ، لا أنهم ولدوا من صلبه ، بل منهم من بينه وبينه الأبوان والثلاثة والأقل والأكثر ، كما هو مبين في مواضعه من كتب النسب ) .


                            ( عمل أهل النسب )


قال أحمد أبوبكرة الترباني : أخرج هذا الحديث علماء النسب في مؤلفاتهم واستشهدوا به عند ذكر أصل هذه القبائل العريقة ، ومن هؤلاء الأئمة الحافظ النسابة ابن عبد البر في ( القصد والأمم ) ( ص 20 ) والحافظ النسابة السمعاني في ( الأنساب ) ( 2/ 54 ) عند باب ( فصل في نسب كهلان وسبأ ) والحافظ الناقد النسابة ابن حجر العسقلاني في ( الفتح ) ( 10/520 ) استشهد به عند سورة سبأ ، وغيرهم من الأئمة الحفاظ ، ولو كانت في متنه نكارة نسَّبية ما استشهد أهل النسب بهذا الحديث في أبواب الأنساب . 

هذا آخر جوابنا وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه أجميعن .

وكتبه :
أحمد بن سليمان بن صباح أبوبكرة الترباني 
11/ رمضان / 1439 هــ