مرشد الخلان إلى إسماعيلية قحطان


              

هذه رسالة حررتها لبيان نسب قحطان جد القبائل القحطانية العامرة في ديار العرب والإسلام ، بعدما كثر الأخذ والرد في نسب قحطان وهل هو من ولد إسماعيل ـ عليه السلام ـ فأحببت أن أُحرر هذه المسألة وأبين الحق فيها ، وقد جعلت هذه الرسالة على هذا النحو :

الفرق بين قحطان الأولى وقحطان الثانية .
نسب قحطان الثانية ـ جد القبائل القحطانية العامرة اليوم ـ .
الرد على من استدل بحديث عائشة ـ رضي الله عنها ـ في عدم نسبة قحطان إلى إسماعيل ـ عليه السلام ـ .

وأرجو من الله تعالى أن أكون كالثُعلي لا تَنمي رميته ، لا كالكُسعي تجني عليه مع إصابته ندامتُه ، وعلى الله المعوّل ، وإليه المتحوَّل ، وله الشكر على ما قد حبانيه وخوّل .


                  ( الفرق بين قحطان الأولى وقحطان الثانية )

إعلم ـ رحمك الله ـ أن هناك قحطان الأولى وقحطان الثانية ، فالأولى انقرضت ولا أثر لها ، وهي قحطان بن عابر والتي ـ يُقال ـ أنها من ولد هود ـ عليه السلام ـ ، وأما قحطان الثانية ـ وهم عرب هذا الزمان ـ ( جذام ، طي ، لخم ، غسان ، عاملة ، الأزد ، كندة .... الخ ) فهم قحطان من ولد إسماعيل ـ عليه السلام ـ ، قال وهب بن منبه كما في ( الإيناس ) ( 40ـ 41 ) : ( وسئل وهب بن منبه عن اليمانية ، وهل أبوهم هود ؟ فقال : لا ، ولكن وقعت الفتن بين العرب ، وفخرت مُضر بأبيها إسماعيل ، فادعت اليمن هوداً ليكون لهم أب من الأنبياء ، قال : وقحطان بن عابر قوم انقرضوا ، وهم قحطان الأولى ، وأما قحطان ـ أي الثانية ـ فهو : قحطان بن الهميسع بن تيمن بن نابت بن إسماعيل ) .

فقحطان الأولى قديمة وانقرضت كما انقرض ( طسم وجديس وجرهم والمعاليق ) وذكر قحطان الأولى ابن قتيبة في ( فضل العرب ) ( 53 ) بسنده عن أبي عمرو بن العلاء : ( تسع قبائل قديمة : طسم وجديس و عهينة وضجم وجعم والعماليق وقحطان وجرهم وثمود ) .

وأما قحطان الثانية وهم عرب هذا الزمان من ولد إسماعيل ـ كما سيأتي ـ وأما الأولى فقد ذهبت وانقرضت كما ذكرنا ، ولعل هذا من أسباب الخلط في أنساب قحطان الثانية ـ عرب زماننا ـ  بقحطان الأولى .

والعرب اليوم يجمعها أصلان ( عدنان وقحطان ) من ولد إسماعيل ـ عليه السلام ـ قال الحافظ الغساني في ( نزهة الأبصار ) ( ص 103 ) : ( لا خلاف بين أهل العلم بالأنساب أن العرب كلها يجمعها أصلان : عدنان وقحطان ، فإلى هذين الأصلين ينتمي كل عربي في الأرض ) .


                                 ( نسب قحطان )


قال أحمد أبوبكرة الترباني : العلماء الذين هم أصل في علم النسب ، يقولون بإسماعيلية قحطان ، وهما ( ابن الكلبي والزبير ) قال الحافظ مغلطاي في ( الإكمال ) ( 7/183 ) : ( الكلبي والزبير فهما أصل في هذا الشأن ـ أي النسب ـ .. ) .

·       1ـ نسب ابن الكلبي قحطان إلى إسماعيل .

قال ابن المبرد في ( نسب عدنان وقحطان ) ( ص 18 ) : ( ونسب ابن الكلبي قحطان إلى إسماعيل ـ عليه السام ـ فقال : قحطان بن الهمسع بن تيمن بن نبت بن إسماعيل بن إبراهيم ـ صلوات الله عليه ـ ... ) وجاء عند البلاذري في ( أنساب الأشراف ) ( 1/18 ) : ( وقال هشام : كان أبي ، وشرقي بن القطامي يقولان : قحطان بن الهميسع بن تيمن بن نبت بن قيذار ،  ـ وهو قيذر وكان قيذر صاحب إبل إسماعيل واسمه مشتق من ذلك ـ وهو ابن إسماعيل عليه السلام بن إبراهيم الخليل ـ صلى الله عليه وسلم ـ ... ) وجاء أيضاً ( 1/ 18 ) : ( وقال الكلبي والشرقي : إسماعيل أبو كل عربي في الأرض ) .

وابن الكلبي قال فيه إمام الجرح والتعديل يحيى بن معين كما في ( سؤالات أبي إسحاق إبراهيم الجنيد ) ( ص 190 ) : ( الكلبي هشام ، كان من أعلم الناس بالنسب ) وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني في ( الفتح ) ( 6/535 ) : ( ابن الكلبي ، إمام أهل النسب ) وقال ياقوت الحموي في ( معجم البلدان ) ( 2/ 188 ) : ( لله در هشام بن محمد الكلبي ، ما تنازع العلماء في شيء من أمور العرب ، إلا وكان قوله أقوى حجة ، وهو مع ذلك مظلوم ، وبالقوارض مكلوم ) .

·        نسب الزبير بن بكّار قحطان إلى إسماعيل .

قال الحافظ ابن حجر في ( الفتح ) ( 6/ 621 ) : ( وزعم الزبير بن بكّار إلى أن قحطان من ذرية إسماعيل ... ) وقال السمهودي في ( خلاصة الوفا ) ( 151 ) : ( وذهب الزبير بن بكار إلى أن قحطان بن الهميسع بن تيم بن نبت بن إسماعيل ... ) .

والزبير قال فيه الخطيب البغدادي  كما في ( تذكرة الحفاظ ) ( 546 ) للحافظ الذهبي : ( كان ثقة ثبتا عالما بالنسب وأخبار المتقدمين ) .

فابن الكلبي والزبير بن بكّار أصل في علم النسب وهم من أوثق المبرزين في هذا العلم الشريف ، وقد نسبوا قحطان إلى إسماعيل ـ عليه السلام ـ قال ابن المبرد  في ( الكامل ) ( 2/ 581 ) : ( فالنسب الصحيح في قحطان الرجوع إلى إسماعيل وهو الحق وقول المبرزين من العلماء ... ) .
وجاء النسابة أبو عبيد القاسم بن سلّام في كتابه ( النسب ) ورفع أنساب قحطان إلى نبت بن إسماعيل ـ عليه السلام ـ كما عند حديثه على نسب كندة ( ص 304 ) قال : ( وولد أدد بن زيد بن يشجب بن عريب بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان بن الهميسع بن تيمن بن نبت بن إسماعيل بن إبراهيم ... ) .

وقال ابن قتيبة في ( فضل العرب ) ( 52 ) : ( لأن العرب بنو إسماعيل بن إبراهيم بإجماع الناس ) .

ومن الأدلة على صحة قول المبرزين بالأنساب ( ابن الكلبي والزبير ) قول الصحابي الجليل أبو هريرة : ( تلك أمكم يا بني ماء السماء ) في قصة إبراهيم ـ عليه السلام ـ قال ابن حبان في ( صحيحه ) ( 5737 ) : ( كل من كان من ولد هاجر يقال له : ولد ماء السماء ؛ لأن إسماعيل من هاجر ... ) . وقد قال ذلك أبو هريرة ـ رضي الله عنه ـ بعد ذكر قصة إبراهيم ـ عليه السلام ـ وذكر هاجر ـ عليها السلام ـ . وكما ذكر في ( منار القاري ) ( 4/ 187 ) : ( أي فتلك المرأة التي هي هاجر هي أمكم أيها العرب ) وقال ابن عبد الحكم في ( فتوح مصر ) ( ص 18 ) : ( يريد العرب ) والسياق واللحاق يدل على ذلك وأن الصحابي أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ  ما قال ذلك إلا بعد ذكر هاجرـ عليها السلام ـ ، وهذا القول ـ وإن ـ كان لا يأخذ حُكم الرفع ، فهو من مسموعات العرب مما يدل أن القول بإسماعيلة قحطان له شهرة واستفاضة عند العرب .

وحديث : ( إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل ... ) فيه دلالة على أن العرب اليوم ـ عدنان وقحطان ـ  من ولد إسماعيل وأن الله اصطفى منهم جميعاً كنانة واصطفى من كنانة قريشاً .. ؛ والله اصطفى كنانة من العرب كلهم وليس فقط من عدنان وإنما الاصطفاء من العرب جميعا عدنانها وقحطانها .

وحديث : ( ارموا بنو إسماعيل فإن أباكم كان رامياً ) استدل به كثير من علماء الإسلام على إسماعيلية قحطان ، قال الإمام الخطابي في ( إعلام الحديث ) ( 720 ) : ( وفي قوله : " ارموا بنو إسماعيل " دليل على صحة قول من قال من النسابة : إن اليمن من ولد إسماعيل ) .

قال القاضي عياض في ( شرح الأبي على مسلم ) ( 6/ 161 ) : ( وهذا مثل قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في الحديث الآخر : " ارموا يا بني إسماعيل " وكلها حجة لمن يجعل العرب كلها من ولد إسماعيل ـ عليه الصلاة والسلام ـ ) .

قال ابن هشام في ( السيرة ) ( 68 ) : ( فالعرب كلها من ولد إسماعيل وقحطان ، وبعض أهل اليمن يقول : قحطان من ولد إسماعيل ، ويقول : إسماعيل أبو العرب كلها ) .

قال السهيلي كما في ( نزهة الأبصار ) ( 109 ) للغساني : ( والقول في العرب العدنانية والقحطانية بانتسابهم إلى إسماعيل ـ صلوات الله عليه ـ أظهر وأصح ) .

وقال ابن أبي خيثمة في ( التاريخ ) ( 1/101 ) عن ابن إسحاق : ( وقد ذكر لي رجل من نسّاب اليمن كان نقابا عالما ، ذكر لي في علمه أنهم من ولد إسماعيل بن إبراهيم ـ عليهما السلام ـ ) .


وقد قال الله عز وجل : ( وجاهدوا في الله حق جهاده ، هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ، ملة أبيكم إبراهيم ) والخطاب في هذه الآية للعرب خاصة والمسلمين عامة ، وسيدنا إبراهيم أبو العرب كافة ، قال أبو حفص الدمشقي الحنبلي في ( اللباب في علوم الكتاب ) ( 159 ) : ( المقصود من ذكر إبراهيم التنبيه على أن هذه التكاليف والشرائع هي شريعة إبراهيم ، والعرب كانوا محبين لإبراهيم ـ عليه السلام ـ لأنهم من أولاده ، فكان ذكره كالسبب لانقيادهم لقبول هذا الدين ، فإن قيل : ليس كل المسلمين يرجع نسبه إلى إبراهيم ، فالجواب : أن هذا خطاب مع العرب ، وهم كانوا من نسل إبراهيم .... ) .

وقال البغوي في ( معالم التنزيل ) ( 5/ 403 )  : ( قيل : خاطب به العرب وهم كانوا من نسل إبراهيم ، وقيل : خاطب به جميع المسلمين ، وإبراهيم أب لهم ، على معنى وجوب احترامه وحفظ حقه كما يجب احترام الأب )   ولهذا جزم الأشعري في ( التعريف ) ( 233 ) بأن العرب من ولد إسماعيل بناء على هذه الآية الكريمة .


                    ( نسب قحطان في شعر العرب الأوائل )

قال أحمد أبوبكرة الترباني : الشعر العربي يُعتمد عليه في بيان الأنساب وتصحيحها ، خاصة إذا كان هذا الشعر العربي صادر من رجل صاحب معرفة وضبط في الأنساب ، ولم يتوفر فيه المخالفات العلمية ، وأما إذا خالف كلام أهل العلم والضبط فلا يُعتمد عليه أبداً  ، قال العسكري في ( الصناعتين ) ( 156 ) : ( تعرف أنساب العرب وتواريخها وأيامها ووقائعها من جملة أشعارها ، فالشعر ديوان العرب ، وخزانة حكمتها ومستنبط آدابها ومستودع علومها ) .

 وقد استعمل أهل النسب والحديث الشعر في تصحيح بعض أنساب الرواة ، كما ذكر ذلك الحافظ مغلطاي في ( الإكمال ) ( 3/ 50 ) عند ترجمة " التلب بن ثعلبة بن ربيعة " : ( قال الكلبي وأبو اليقظان في نسبه : التلب وأنشدته شعراً لابد أن يشدد أسمه فيه للوزن ) والأدلة كثيرة في استعمالهم الشعر في معرفة الأنساب ، وقد فصَّل في ذلك أستاذنا الشريف النسابة إبراهيم الهاشمي الأمير في مقالته ( دور الشعر في حفظ أنساب العرب ) .

قال جد الشاعر الشجاع حسان بن ثابت ـ رضي الله عنه ـ :
ورثنا من البهلول عمرو بن عامر           وحارثة الغطريف مجدا مؤثلا
مآثر من آل ابن نبت ابن مالكٍ               ونبت ابن إسماعيل ما أن تحولا

قال سويد بن الصمات :
أنا ابن مزيقيا عمرو وجدي          أبوه عامر بن ماء السماء
إلى نبت ابن إسماعيل أنمي         وينميني إلى الجد الملاء

وهذه الأشعار تُبين نسبة قحطان إلى نبت ابن إسماعيل ـ عليه السلام ـ .



               ( نسب العرب كلهم ـ قحطان وعدنان ـ عند العجم )

يُطلق العجم على العرب كلها ـ قحطان وعدنان ـ ( ولد إسماعيل ) وكانت تنتقص الشعوبية العرب بأمهم هاجر ـ عليها السلام ـ وأنها أمةٌ (!) وأما العجم أولاد إسحاق فهم أبناء حُرة !!

قال ابن قتيبة في ( فضل العرب ) ( ص 46 ) : ( وأعجب من هذا إدعاؤهم إلى إسحاق بن إبراهيم ـ صلى الله عليهما وسلم ـ ، وفخرهما على العرب بأنه لسارة الحُرة ، وإن إسماعيل أبا العرب لهاجر وهي أمةٌ .. ) وقال أيضاً ( ص 47 ) : ( وبنو اللخناء عندهم ـ أي العجم ـ العرب ؛ لأنهم من ولد إسماعيل ... ) .

وجاء في ( سفر التكوين ) و ( الأصحاح ) ( 17/17ـ18 ) : ( الصلاة الثانية لإبراهيم في بئر سبع عن ولده البكر إسماعيل وشعبه العرب ) وقال ماسينيون كما في كتاب ( الإسلام والمسيحية ) (ص 197) لجورافسكي (  إن تاريخ الجنس العربي يبدأ من دموع هاجر ) .

وقد جاء بسند صحيح كما ذكر ذلك محدث العصر الألباني ـ رحمه الله ـ في ( الإرواء ) ( 6/ 281 ) عن علي بن ربيعة بن نضلة قال : ( أنه خرج في اثني عشر راكبا كلهم قد صحب محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ وفيهم سلمان الفارسي وهم في سفر ، فحضرت الصلاة ، فتدافع القوم أيهم يصلي بهم ؟ فصلى بهم رجل منهم أربعا ، فلما انصرف ـ قال سلمان : ما هذا ؟ ما هذا ؟ مرارا نصف المربوعة ؟ ـ قال مروان : يعني نصف الأربع ـ نحن إلى التخفيف أفقر ، فقال له القوم : صلي بنا يا أبا عبد الله ، أنت أحقنا بذلك ، فقال : لا أنتم بنو إسماعيل الأئمة ، ونحن الوزراء ) .

قال أحمد أبوبكرة الترباني : وهؤلاء الصحابة منهم من قحطان ومنهم من عدنان ، خاطبهم الصحابي سلمان الفارسي قائلاً : ( أنتم بنو إسماعيل ) وهذا يُبين لنا نظرة الأجناس الأخرى ومنها ( الفُرس ) إلى أصل العرب ـ قحطان وعدنان ـ عندهم  وأنهم كلهم من ولد إسماعيل ـ عليه الصلاة والسلام ـ ولهذا تجد المستشرقين من بلاد أوروبا يُطلقون على العرب كلهم أولاد إسماعيل ، فهذا المستشرق موري له كتاب باسم ( بنو إسماعيل ) باللغة الإنجليزية وقد تحدث فيه عن قبائل العرب في جنوب فلسطين وسيناء وغالبها قحطانية .

                    ( أعمدة نسب عدنان وقحطان )

أعمدة أنساب قحطان وعدنان متقاربة وهذا يُبين لنا أنها من أصول واحدة ، ولهذا قال الحافظ الناقد ابن حجر العسقلاني في ( الفتح ) ( 6/ 621 ) : ( وذلك أن عدد الآباء بين المشهورين من الصحابة وغيرهم وبين قحطان متقارب من عدد الآباء بين المشهورين من الصحابة وغيرهم وبين عدنان ) .

وسوف نضرب الأمثلة في ذلك وننقل عمود نسب صحابي من قحطان وصحابي من عدنان وأن عدد الآباء متقارب ولا يوجد بينها فروق بعيدة .

·       المثال الأول : ( عمود نسب الصحابي الجليل أبو موسى الأشعري) .

قال ابن سعد في ( الطبقات ) ( 4/ 78 ) : ( أبو موسى الأشعري ، واسمه عبد الله بن قيس بن سُليم بن حضار بن حرب بن عامر بن عنز بن بكر بن عذر بن وائل بن ناجية بن الجماهر بن الأشعر ، وهو نبت بن أدد بن زيد بن يشجب بن عريب بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان ) .
وجاء عند الحافظ ابن حجر في ( الإصابة ) بدل ( عنز ) غنم وفيه تقديم وتأخير .
فبين الصحابي أبو موسى الأشعري وقحطان ( 22 ) أب .

·       المثال الثاني : ( عمود نسب الصحابي الجليل عمرو بن العاص ) .

قال الحافظ النسابة ابن يونس في ( تاريح المصريين ) ( 1/ 374 ) : ( عمرو بن العاص بن وائل بن هاشم بن سُعيد بن سعد بن سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي بن غالب القرشي السهمي ) وغالب هو ابن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان .
فبين الصحابي عمرو بن العاص وبين عدنان ( 22 ) أب .

قال أحمد أبوبكرة الترباني : ومع علمنا أن أعمدة النسب يقع فيها زيادة و تكرار كما قال ابن الأثير في ( أسد الغاب ) ( 7/ 13 ) : ( وقد يقع في النسب تعدد وطرافة ) فقد يقع زيادة أو نقصان في زيادة أب أو إسقاط أب ، ومع ذلك نجد عمود من ينتسب إلى قحطان ومن ينتسب إلى عدنان متقارب في عدد الآباء وهذا يؤكد قول المبرزين من أهل النسب أن ( قحطان من ولد إسماعيل ) .


     ( الرد على من استدل بحديث عائشة ـ رضي الله عنها ـ في عدم نسبة قحطان إلى إسماعيل ـ عليه السلام ـ )

يحتج بعض من لا ينسب قحطان إلى إسماعيل ـ عليه السلام ـ  بحديث أم المؤمنين عائشة ـ رضي الله عنها ـ  ( أنه كان عليها رقبة من ولد إسماعيل فجاء سبي من خولان فأرادت أن تعتق منهم ، فنهاها النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ثم جاء سبي من مضر من بني العنبر فأمرها النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن تعتق منهم ) .

استدل من لم ينسب قحطان إلى إسماعيل ـ عليه السلام ـ بهذا الحديث وأن النبي ـ عليه السلام ـ فرَّقَ بين ولد إسماعيل وبين خولان القحطانية !!

قال أحمد أبوبكرة الترباني :هذا الحديث ليس فيه دلالة على أن خولان قحطان ليسوا من ولد إسماعيل ـ عليه السلام ـ بدلالة أن عائشة ـ رضي الله عنها ـ كانت تريد أن تعتق منهم ؛ لأن العرب ـ قحطان وعدنان ـ كلهم من ولد إسماعيل ، وعائشة كانت صاحبة معرفة بالأنساب ، فلهذا كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول : (  من قال : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ، عشر مرار ، كان كمن أعتق أربعة أنفس من ولد إسماعيل )  وقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل ) كناية عن العرب جميعاً وأن الله اصطفى كنانة من بين العرب كلهم وليس فقط من عدنان وإنما الاصطفاء من العرب جميعا عدنانها وقحطانها ، وكما قال القاري في ( مرقاة المفاتيح ) ( 2312 ) : ( المراد من أولاد إسماعيل العرب لأنهم أفضل الأصناف ) .

 ولهذا فإن نهي النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ليس من باب نفي إسماعيليتهم ، وإنما من باب ( الأقربون أولى بالمعروف ) و الإرشاد إلى الأقرب .

وكما قال عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ : ( من العار أن يملك الرجل ابن عمه و بنت عمه ) فهو أرشدها لأن تعتق الأقرب لها ، والعنبر من تميم من عدنان ، أقرب لها من ولد قحطان  ، فالنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يحرص على أن يدل عائشة ـ رضي الله عنها ـ على أفضل الأعمال ، فلما همّت عائشة بأن تعتق من ولد إسماعيل وأرادت خولان ، أرشدها النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى سبي بني العنبر من تميم وهم الأقرب نسباً لعائشة ـ رضي الله عنها ـ من خولان ، حتى يكون الأجر أعظم ؛ لأن العنبر أقرب دماً لها من خولان .

فكلام النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من باب الإرشاد إلى الأقرب نسباً حتى يعظم الأجر في العتق ، وليس فيه أي دلالة على نفي خولان من إسماعيل ـ عليه السلام ـ .

ومن أخذ بظاهر الحديث دون فهم المقصود ، نورد عليه بعض الآثار التي يلزمه أن ينفي كل القبائل العدنانية عن ولد إسماعيل باستثناء الحسن والحسين ـ رضي الله عنهما ـ وهو ما أخرجه ابن سعد في ( الطبقات ) ( 1/395 ) و الطبراني في ( الكبير ) ( 13667 ) عن إبراهيم بن نافع ، قال : سمعت عمرو بن دينار ، يذكر عن عبد الله بن عمر ، قال : " كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إذا أتاه رجلٌ يقول : عليَّ رقبة من ولد إسماعيل ، يقول : عليك بالحسن والحسين " وحكم الدارقطني في ( العلل ) ( 2826 ) بوقفه على ابن عمر ، وأخرج ابن عساكر في ( تاريخه ) ( 14/ 179 ) : ( قال أبو إسحاق : بلغني أن رجلاً جاء إلى عمرو بن العاص وهو جالس في ظل الكعبة ، فقال : عليّ رقبة من ولد إسماعيل ، فقال : ما أعلمها إلا الحسن والحسين ) .

فالظاهر من هذه الأخبار حصر ولد إسماعيل في " الحسن والحسين " فهل يُقال أن باقي القبائل مثل : ( أسد ، تميم ، هذيل ... الخ ) ليست من ولد إسماعيل ؟!! وهذا لازم من أخذ بظاهر حديث عائشة ـ رضي الله عنها ـ أن يأخذ بظاهر هذه الآثار في حصر ولد إسماعيل ـ عليه السلام ـ في الحسن والحسين ـ رضي الله عنهما ـ (!) وهذا لا يستقيم أبداً ولا هكذا يُفسر ، وإنما هو من باب الأقرب ثم الأقرب ،  أي : من كان أقرب نسباً للحسن والحسين ـ رضي الله عنهما ـ فهو أحق بالعتق لعظم الأجر ، ولصراحة الحسن والحسين ـ رضي الله عنهما ـ في نسبهم إلى إسماعيل ـ عليه السلام ـ كما قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يخاطبهم : ( كان أبوكم إبراهيم يعوذ بهما إسماعيل وإسحاق ) في حديث : ( أعيذكما بكلمات الله التامة ... ) .

وأما قول الحافظ ابن حجر العسقلاني عند هذا الحديث كما في ( الفتح ) ( 6 / 376 ): ( وفيه الرد على من نسب جميع اليمن إلى بني إسماعيل لتفرقته ـ صلى الله عليه وسلم ـ بين خولان وهم من اليمن وبين بني العنبر وهم من مضر، والمشهور في خولان أنه ابن عمرو بن مالك بن الحارث من ولد كهلان بن سبأ ، وقال ابن الكلبي : خولان بن عمرو بن إلحاف بن قضاعة ، وسيأتي بسط القول في ذلك في أوائل المناقب إن شاء الله تعالى ) فقد بينا سبب هذه التفرقة وبيان أن هذا من إرشاد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ للأقرب والأقرب لعظم الأجر ، ثم جاء الحافظ ابن حجر العسقلاني وبسط القول كما وعد في باب المناقب ورجَّحَ أن قحطان من ولد إسماعيل ـ عليه السلام ـ حيث قال كما في ( الفتح ) ( 6/ 391 ) : (هذا هو الذي يترجح في نقدي ، وذلك أن عدد الآباء بين المشهورين من الصحابة وغيرهم وبين قحطان متقارب من عدد الآباء المشهورين من الصحابة وغيرهم وبين عدنان ) .

هذا ما أحببت تحريره وبيانه في نسب قحطان ، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجميعن .

وكتبه :
أحمد بن سليمان بن صباح أبوبكرة الترباني
6/ رمضان / 1439 هـ