سألني بعض الأُخوة عن نِسّبة ( الأسدي ) والتي تَنتسب لها بعض
القبائل في بلاد جازان ، مثل الــ " نجامية و الفقهاء .... "
وغيرهم ، وهل هذه القبائل والتي تُعرف بهذا النسب ( الأسدي ) في جازان
مِن عقبِ الصحابي الجليل عُكاشة بن مُحصن ؟!
قال أحمد أبوبكرة التُرباني : لم يذكر أهل النسب الثقات أن للصحابي
عُكاشة بن مُحصن ذُرية في حَوش جازان وإنما ذُرية عُكاشة ـ رضي الله عنه ـ في بلاد
الأندلس وغيرها كما بين ذلك أهل النسب ، قال ابن حزم في ( الجمهرة ) ( ص 192 ) في
حديثه عن عقب عُكاشة بن مُحْصَن ـ رضي الله عنه ـ : ( ولهم بالأندلُس بوادي
عبد الله بن جيَّان بقيَّةٌ وعَددٌ ، منهم : بنو عُبيد الله بن عُكاشة بن محصن ،
وكبير بن عبد الله ابن كلثوم بن سليط بن ثبرة بن عُمير بن غالب بن مُحمد بن عكاشة
بن محصن ، ومحرز بن نضلة بن عبد الله بن مرَّة بن كبير بن غنم ... ) ويُعرف
غالب عقب الصحابي عُكاشة ـ رضي الله عنه ـ بـــ ( العُكاشي ) .
ولا يوجد دليل علمي يُثبت بأن للصحابي عُكاشة ـ رضي الله عنه ـ عقب في جازان
وكذلك لا يوجد دليل علمي يُثبت نسبة هذه القبائل الكريمة ـ النجامية والفقهاء ـ
إلى عُكاشة ـ رضي الله عنه ـ وأما تلك الوثيقة المؤرخة سنة 1240 هـ والتي تنسب
الفقهاء إلى عُكاشة بن مُحصن ـ رضي الله عنه ـ فهي وثيقة لا يُعتمد عليها في رفع
النسب ؛ لأنها كُتبت من غير عِلم ودراية بالنسبِ ، كما جاء في الوثيقة : ( ونقلتها
بقلم من اسما نفسه بالورقة من غير لا زيادة ولا نقصان ) فكاتب الوثيقة نقل
هذا النسب من غير ثقة وعلمٍ بهذا النسب وأحال ذلك لمن كتب اسمه بالورقة ، فلا
يُحتج بها في رفع الأنساب أصلاً .
ثم أن هذا النسب الذي كُتب في الوثيقة فيه خلط ظاهر وخلل واضح ، مما يُبين أن
صاحب هذا النسب جمع في هذا العمود نسب آخر ، وهذا من عَاميته واتكاله على تشابه
الأسماء ، فلا يوجد من عقب عُكاشة من يُعرف بــ ( عبد الله بن الزُبير )
ولعلهم أغاروا على أنساب الزُبير من بني أسد من قريش ووجدوا اسم ( عُكاشة بن
مصعب بن الزبير ) وأدخلوه في عقب عُكاشة بن مُحصن (!!) وهذا يدل
على أن شُبهة ( الأسدي ) في أنسابهم الكريمة جعلتهم يعتمدوا على تشابه
الاسم ، وظنّوا بأن نسبهم ( الأسدي ) يعني أنهم من هذه القبيلة والتي
منها عُكاشة ـ رضي الله عنه ـ وهذا منهج العوام في ربط أنسابهم ، قال السّيد علوي
الحدّاد في ( الشامل في تاريخ حضر موت ) (348) : ( ... فكل ذلك استنتاجات
عامية ، إذا سمعوا باسم جابرٍ ، قالوا : هم من آل جابر الصحابي ، وسمعوا اسم سعدٍ
، فقالوا : من بني سعدٍ ، قوم حليمة ؛ لأن اسم حليمة السعدية يدور في أذهانهم كلما
سمعوا مولداً ، فكل هذا توهمات ، ليس فيها شيء من رائحة العلم ... ) .
وهذا النسب في بلاد جازان ( الأسدي ) نسبة لــ ( أسد بن عامر
الحَكمي ) ؛ لأن هذا النسب عقب ( أسد بن عامر الحَكمي ) ذكره
العُلماء أنه في ( جازان ) ولم يذكر العُلماء قديما غير عقبه ممن
يُعرفون بـ ( الأسدي ) إلا منسوب له ، فالنص حاضر في تحديد الأسدية
ونِسبتُها ، ولا يوجد نصوص علمية من كُتب الأنساب المُتقدمة تذكر تواجد لذرية
عُكاشة بن مُحصن ـ رضي الله عنه ـ في جازان ولا قبيلة بني أسد المضرية ، ولقد قال
المؤرخ الحُسين بن عبد الله الأهدل ( ت 855 هـ ) في ( تُحفة الزمان ) ( 2/ 284 ) :
( ومن هذه النواحي ، موضع يُسمى الحَدِيّة ـ بحاء مهملة مفتوحة ودال مهملة
مكسورة ثم مثناة تحت ثم ها ـ كان بها الشيخ الكبير المعمر أبو محمد عبد الله بن
علي الأسدي ـ بفتح الهمزة والسين المهملة ـ وضبطه اليافعي بسكون السين ولا أراه
صحيحا ؛ لأنه من ذرية أسد بن عامر الحكمي جد الفقهاء بني عامر ... ) وقال
أحمد الزبيدي ( 893 هـ ) في ( طبقات الخواص ) ( ص 179 ) عند ترجمة عبد
الله الأسدي : ( أصله من قوم يقال لهم : آل خلاد ، يسكنون ناحية جازان ... )
ولا تجد في أنساب هؤلاء في جازان النِسبة إلى ( العُكاشي ) أبداً ،
وإنما يُنسبون إلى أسد بن عامر الحكمي .
ولهذا فإن النصوص القديمة حاضرة في أنسابهم الكريمة ، والقول بُعكاشية
أنسابهم معدومة في المصادر القديمة العِلمية ، وأما الروايات المُتأخرة والحادثة
والتي تنسبهم إلى ( عُكاشة ـ رضي الله عنه ـ ) فهي روايات خالية من شروط
صحة الرواية النسّبية وهي : ( الدراية والضبط ) لمُخالفتها النصوص
العلمية المُتقدمة والتني تنسبهم إلى أسد بن عامر من آل خلاد ، والعِبرة في
الأنساب ( ما ذكره الأوائل لا ما استحدثه الأواخر ) وكما قال الإمام
الشافعي ـ رحمه الله ـ : ( العلم يؤخذ من أعلى ) فلا يؤخذ النسب من
المتأخرين والذين اعتمدوا على روايات العوام القائمة على تشابه الأسماء والمُخالفة
لأقوال من هُم أعلى وأثبت وأقدم .
والعوام سبب في ضياع الأنساب ، فتجد قبيلة من قبائلنا في بادية فلسطين وهي
قبيلة ( السواركة ) العريقة ينتسبون إلى عُكاشة بن مُحصن ـ رضي الله عنه
ـ في المصادر المُتأخرة والمبنية على روايات العوام الخالية من العلم والضبط ،
وأما المصادر المُتقدمة فتنسبهم إلى ( بني عطية بطن من جُذام ) كما بين
ذلك العلامة عبد القادر الجزيري الحنبلي ( ت 977 هـ ) في كتابه النفيس ( الدُرر
الفرائد ) وكذلك في دفاتر طابو لواء غزة سنة 965هـ .
وكتبه :
أبو سهل أحمد بن سُليمان بن صبَّاح أبوبكرة التُرباني
الأردن ـ جرش
27 / 5 / 1439 هــ