قصف المعابر في وجه الجيوش والدساكر

             قَصفُ المَعابر في وَجه الجيوش والدساكر
                                  " رداً على الحافظ يوسف بن عبد الهادي في طعنه بنسب الأشعري والانتصار لابن عساكر "


                                        بقلم
                    أحمد بن سُليمان بن صباح أبو بكرة الترباني



قاد الحافظ يوسف بن عبد الهادي جيوشه ودساكره لغزو رسالة " التبيين " لأبن عساكر وتبيان ما فيه من مُجانبة للصواب ونِسبة جماعة من أهل العلم للمسلك الأشعري وهم منها براء  وغَيرها من المسائل ، إلا أنه ـ غفر الله له ـ وقعَ في الباطل عند مسألة " نسب أبي الحسن الأشعري " وهَوَّشَ على ابن عساكر بدون علم ولا حِلم .. وطعن بنسب أبي الحسن الأشعري  وانتصر للأهوازي بلا بينة وبرهان ، وهذا ليس من العدل والإنصاف مع الخصوم ..

فوجب عليَّ أن أقصفُ المعابر في وجه الجيوش والدساكر وأنتصر للحق بـ ( الحجة والعلم )  في مسألة ( نسب أبي الحسن الأشعري ) مع احترام الحافظ يوسف ابن عبد الهادي وإجلاله وحفظ جهوده ومكانته العلمية ، ونشرع بالبيان والرد :

قال الحافظ ابن عساكر في ( تبيين كذب المفتري ) ( ص34 ) : ( أخبرنا الشيخ أبو عبد الله محمد بن الفضل بن أحمد الفراوي الفقيه بنيسابور قال أخبرنا الإمام أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي البيهقي الحافظ قال : رأيت في كتب أصحابنا : أبو الحسن علي بن إسماعيل بن إسحاق بن سالم بن إسماعيل بن عبد الله بن موسى بن بلال بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري .... ) . 

قال الحافظ يوسف بن عبد الهادي ـ رحمه الله ـ  معلقا على كلام ابن عساكر  : " ومثل هذا لا يثبت به نسب ، فإنه لم يحكه عن أحد ، إنما ذكر أنه وجده "[1] ..

وقال الحافظ ابن عساكر في ( تبيين كذب المفتري ) ( ص35) : ( وفي اطباق الناس على تسميته بالأشعري تكذيب لما قاله هذا المفتري ) . 

وقال الحافظ يوسف بن عبد الهادي ـ غفر الله له ـ  معلقا  : " فإن هذا ليس أمر يحتج به على نسبته إلى أبي موسى الأشعري ، فإن إجماع الناس على نسبة رجل إلى نسبه لا يوجب أن يكون من ولد من اسمه كذلك ، كما أن العُمري لا يلزم أن يكون من ولد عمر بن الخطاب ، والمحمدي لا يلزم أن يكون من ولد النبي ، والبكري لا يلزم أن يكون من ولد أبي بكر ، والعلوي لا يلزم أن يكون من ولد علي ، والعثماني لا يلزم أن يكون ولداً لعثمان ، والحنبلي لا يلزم أن يكون من ولد الإمام أحمد ، وهلم جراً فلا يلزم من تسميته بالأشعري أن يكون من ولده ، وربما نسب إلى نسب الإنسان عبده ، ومن أسلم على يده ونحو ذلك ... "[2] .


قال أحمد أبو بكرة الترباني : كلام الحافظ يوسف بن عبد الهادي ـ رحمه الله ـ  وإبطاله نسب أبي الحسن الأشعري تبعاً للأهوازي من التعصب والمخاصمة ، فقد طعن بنسبه ـ غفر الله له ـ بلا بينة وبرهان وإنما هكذا : ( لا يلزم ومثل هذا لا يثبت ) ( !! ) ولم يأتِ بالعلم في نقض النسب ، ورحم الله شيخ الإسلام ابن تيمية حين قال : ( فلماذا يكون الإنسان من المطففين لا يحتج لغيره كما يحتج لنفسه ؟ ولا يقبل لنفسه ما يقبله لغيره ؟ ) .

وقد أدخل الحافظ يوسف بن عبد الهادي نفسه في قانون ( لعلك على مذهبه ) فهو أراد أن يرد على الحافظ ابن عساكر في شيء وقع هو فيه ، حيث تعصب لرأي الأهوازي دون الحجة والدليل ، وهذا والله لا يستساغ في الردود العلمية من الطعن في الأنساب دون الإتيان بالحُجج والبراهين ، فأين هي الجيوش والدساكر يا بن عبد الهادي ؟!! .. فإن كانت جيوشك ودساكرك في الطعن بنسب الأشعري بقولك : ( لا يلزم ) فقد ضللت الطريق وأبتعد عن دروب أهل الإنصاف والتحقيق ..

فقد قال ابن تيمية في ( المجموع ) : ( وصاحب النَّسبِ والدين لو أراد عدوه أن يُبطل نسبه ودينه وله هذه الشهرة لم يُمكنه ذلك ، فإن هذا مما تتوفر الهمم والدواعي على نقله ولا يجوز أن تتفق على ذلك أقوال العلماء  )[3].

فلم يرد الحافظ يوسف بن عبد الهادي حُجج الحافظ ابن عساكر في نسب أبي الحسن الأشعري حيث ضرب ابن عساكر مفاصل الصواب لا سيما أنه ممن لهم معرفة في الأنساب ..

ومن حُجج الأهوازي والذي تعصب له الحافظ يوسف بن عبد الهادي ، أن " شيوخا من أهل البصرة قالوا أن جده أبي الحسن الأشعري كان يهودياً أسلم على رجل ينسب إلى الأشعريين "[4] ( !! ) ..

فمتى كان المجاهيل ـ شيوخ من أهل البصرة ـ ( ! )  يُخرجوا نسباً مشهوراً ؟!! .. وهذا ما احتج به الأهوازي وقلَّدهُ يوسف بن عبد الهادي في الطعن بنسب أبي الحسن الأشعري ( ؟ ) .. وهذا والله من الطعن بالأنساب والدافع له الخصومة ..

فقد قال الحافظ ابن عساكر ـ رحمه الله ـ  : ( وأما حكايته النكرة عن بعض شيوخ أهل البصرة من أن أبا بشر كان يهودياً فأسلم على يد بعض الأشعريين ، فحكاية مفتر عن مجاهيل مفترين ما حكى أن أحدا نفاه عن أبي موسى الأشعري غير هذا المتحامل المفتري ... )[5] .. فطعن المجاهيل لا يُخرج نسباً من دائرته أبداً ، فكيف إذا كان الناقل عنهم مُخاصم ؟!! ..

ثم أن الحافظ يوسف بن عبد الهادي ـ رحمه الله وغفر له ـ وإن زعم أنه لم يأخذ بكتاب ( المثالب ) للأهوازي وقال : ( أن غالب ما فيه درادم ـ أي : لا قيمة لها ـ )[6] فهو أخذ بطعن الأهوازي بنسب أبي الحسن الأشعري ولم يأتِ بجديد وهَوش بغير علم على هذا النسب المشهور ..

وأما قول الحافظ يوسف بن عبد الهادي : (فإن إجماع الناس على نسبة رجل إلى نسبه لا يوجب أن يكون من ولد من اسمه كذلك ، كما أن العُمري لا يلزم أن يكون من ولد عمر بن الخطاب ، والمحمدي لا يلزم أن يكون من ولد النبي ، والبكري لا يلزم أن يكون من ولد أبي بكر ، والعلوي لا يلزم أن يكون من ولد علي ، والعثماني لا يلزم أن يكون ولداً لعثمان ، والحنبلي لا يلزم أن يكون من ولد الإمام أحمد ، وهلم جراً فلا يلزم من تسميته بالأشعري أن يكون من ولده ، وربما نسب إلى نسب الإنسان عبده ، ومن أسلم على يده ونحو ذلك ...) .

قال أحمد أبو بكرة الترباني : الأصل في الأنساب " الشهرة السليمة " وهي الشهرة : الخالية من الناقض والجرح المفسر ، وشُهرة نسب أبي الحسن للأشعري لم يتوفر فيها ( النواقض و الجرح المفسر ) فلا يوجد نسابة نقض هذه الشهرة أو جرح هذا النسب بكلام علمي ، وإنما عُمدة الأهوازي ومن تبعه كيوسف بن عبد الهادي  في الطعن بنسب الأشعري هُم ( المجاهيل ) .. والمجهول لا يُخرج نسبا معلوما ، لا سيما أن كتاب " المثالب " للأهوازي فيه " أكاذيب " كما ذكر ذلك الحافظ الذهبي[7] .. فلا يؤخذ بهذا الكلام وإنما يُعد هذا من ( الطعن بالأنساب ) غفر الله لهم .

فالإجماع على نسبة رجل إلى نسبه ولم يتوفر الناقض والجرح كما بينت آنفا ، هو دليل على سلامة وصحة النسب ..

وأما قول ابن عبد الهادي : ( كما أن العمري لا يلزم أن يكون من ولد عمر بن الخطاب ..... الخ ) ..

قال أحمد أبو بكرة الترباني : صحيح ، فلا يلزم ذلك ، ولكن إذا بين أهل العلم والنسب الثقات أن هذه النسبة المراد بها النسب لا المذهب ولم يتوفر الناقض لها  فلا يلزمنا إلا القبول والتسليم لهذه النسبة وإلا وقعنا في " الطعن بالأنساب " والعلماء بينوا أن نسبة ( الأشعري ) لأبي الحسن نسبة ( صُلب ونسب ) وهذا التهويش من الحافظ يوسف بن عبد الهادي لا يستقيم هُنا ..

فنحن نعلم أن هذه النِسب : ( العلوي ، العثماني ... الخ ) قد تكون مذهبية لا نسبية كما قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في " الفتح " ( 6/191 ) : ( وقوله : " وكان علويا " أي : يقدم عليا في الفضل على عثمان ، وهو مذهب مشهور لجماعة من أهل السنة بالكوفة .. ) . وهذا المذهب يُقدم علي على عُثمان ولا يسبوا الصحابة ويكفرونهم كـ " شيعة عبد الله بن سبأ اليهودي " والذين اتهموا عرض النبي r  بالزنا وكفروا أصحابه ..

فالحاصل أن الحافظ يوسف بن عبد الهادي ـ رحمه الله وغفر له ـ لم يرد على حُجج الحافظ ابن عساكر في هذه المسألة حيث بين ابن عساكر أن أبي الحسن الأشعري كان يأخذ من وقف بلال ولد أبي موسى الأشعري فقد قال : ( إذ لو كان في نسبه هذه العلة لم يُرفع إليه من وقف بلال الغَلة ، ولو لم يكن أبو الحسن صحيح النسب لانتزعت منه الضيعة بذلك السبب )[8] ..

فلم يتطرق الحافظ يوسف بن عبد الهادي لنقض مسألة ( وقف بلال ) وإنما جاء وهوش على هذا النسب بقوله : ( لا يلزم ) .. فلو كانت مقولة ( لا يلزم ) تنفي الأنساب هكذا بغير بينة لكان بابا واسعاً لهدم أنساب العرب .. وأوله صاحب هذه المقولة ـ غفر الله له ـ .

وعن نسب أبي الحسن الأشعري فسننقل أقوال العلماء في بيان ذلك :

1ـ قال الخطيب البغدادي في ( تاريخه ) : " علي بن إسماعيل بن أبي بشر واسمه اسحق بن سالم بن إسماعيل بن عبد الله بن موسى بن بلال بن أبي بردة بن أبي موسى أبو الحسن الأشعري المتكلم صاحب الكتب و التصانيف في الرد على الملحدة وغيرهم من المعتزلة والرافضة والجهمية والخوارج وسائر أصناف المبتدعة .. "[9].

2ـ قال أبو الحسن القرطبي في ( التعريف بالأنساب ) : " ومن ولد أبي موسى الشيخ الإمام صاحب علم الكلام أبو الحسن الأشعري "[10] .

3ـ قال السمعاني في ( الأنساب ) : " فأما أبو الحسن إنما قيل له الأشعري لأنه من ولد أبي موسى رضي الله عنه "[11].
4ـ قال ابن الجوزي في ( المنتظم ) : " علي بن إسماعيل بن أبي بشر، واسمه: إسحاق بن سالم بن إسماعيل  بن عبد الله بن موسى بن بلال بن أبي بردة بن أبي موسى أبو الحسن الأشعري المتكلم "[12] .

5ـ قال ابن الأثير في ( اللباب ) : " وإلى مذهب أبي الحسن علي بن إسماعيل البصري المتكلم الأشعري وهو من ولد أبي موسى الأشعري "[13] .

6ـ قال الذهبي في ( السير ) : " العلامة إمام المتكلمين أبو الحسن علي بن إسماعيل بن أبي بشر إسحاق بن سالم بن إسماعيل بن عبد الله بن موسى بن أمير البصرة بلال بن أبي بردة بن صاحب رسول الله r أبي موسى عبد الله بن قيس بن حضار ، الأشعري اليماني البصري [14] ".

7ـ قال ابن شهبه في ( طبقاته ) : "علي بن إسماعيل بن إسحاق بن سالم بن إسماعيل بن عبد الله بن موسى بن بلال بن أبي بردة بن أبي موسى الشيخ أبو الحسن الأشعري البصري "[15] .

وممن ذكر نسب الأشعري إلى أبي موسى ـ رضي الله عنه ـ ؛ ابن النديم[16] وابن خلكان[17] والسبكي[18]و ابن أبي الوفاء القرشي[19] وابن كثير[20]والمقريزي[21]والأتباكي[22]وابن الصلاح[23] وغيرهم ..

فلم يأت طعن علمي في نسب أبي الحسن الأشعري أبداً ، وإنما هو فقط طعن بُني على روايات ( المجاهيل ) أشاعه الأهوازي (!!) وقد نقل مُحقق كتاب ( جمع الجيوش ) كلاماً لـ ( أحمد بن هادي ) في كتابه ( أبو الحسن بين المعتزلة والسلف ) حيث قال : ( وقد أطبق المؤرخون على صحة نسب الأشعري إلى جده أبي موسى الأشعري صاحب رسول الله r.. )[24] . وقد أجاد مُحقق كتاب ( جمع الجيوش ) في رده على الحافظ يوسف بن عبد الهادي  ..

وقد صنف العلامة حماد الأنصاري رسالة في أبي الحسن الأشعري وسرد نسبه لأبي موسى الأشعري ـ رضي الله عنه ـ ..

ولو تُرك الأمر لـ " المجاهيل " لما سَّلِمَت لنا الأنساب العربية ، فإن من عادة الخصوم أو الأدعياء الطعن في أنساب الصرحاء بروايات المجاهيل والغَمغمة في الأقوال ، بل أن المعلوم لا يُقبل طعنه إلا إذا كان قولاً علمياً من أقوال علماء النسب لا من كيسه وهواه وإنما نقل أقوال أهل النسب وغير ذلك لا يُقبل ..

ولهذا تجد أن أهل النسب إذا تكلموا على نسب دعي بالعلم والحجة ، قام هذا الدعي بالطعن في أنسابهم واستشهد بالمجاهيل لغمز أنسابهم نكاية بهم لأنهم جرحوه وأخرجوه من دعواه الكاذبة ، وما أكثرهم اليوم وخاصة في عصر " الإنترنت " يدخل المجهول ويطعن في أنساب الصرحاء حِقداً منه عليهم .. فلا تُقبل هذه الطعونات عند أهل العلم وطلابه والعقلاء لأنها من قبيل الكذب والفجور ....

ورحم الله الحافظ المحدث ابن عساكر فقد ذَب عن نسب أبي الحسن الأشعري وأجاد وأنصف و غفر الله للحافظ يوسف بن عبد الهادي فقد أوغل نفسه في الطين ووقع في نسب الأشعري بغير علمٍ وبينة ..

وكتبه :
أحمد بن سليمان بن صباح أبو بكرة الترباني
الأردن ـ جرش
12/ رمضان /1436هـ







[1] ـ ( جمع الجيوش ) ( ص 99 ) .
[2] ـ ( جمع الجيوش ) ( ص102 ).
[3] ـ ( مجموع الفتاوى ) ( 35/130 ) .
[4] ـ راجع كتاب ( مثالب ابن أبي بشر ) ( ص 6 ) للأهوازي .
[5]ـ ( 375 ).
[6] ـ ( جمع الجيوش ) ( ص 2 ) .
[7] ـ ( السير ) ( 15/143 ).
[8] ـ (375).
[9] ـ ( 11/346 ).
[10] ـ ( ص 60 ) .
[11] ـ ( 1/66).
[12] ـ ( 6/332 ) .
[13] ـ ( 1/64 ).
[14] ـ ( 15/143 ).
[15] ـ ( 1/11).
[16] ـ ( الفهرست ) ( ص 257).
[17] ـ ( وفيات الأعيان ) ( 3/85).
[18] ـ ( طبقات الشافعية ) ( 3/347 ).
[19] ـ ( الجواهر المضيئة ) ( 1/353 ) .
[20] ـ ( البداية والنهاية ) ( 11/187 ) .
[21] ـ ( الخطط ) ( 3/307).
[22] ـ ( النجوم الزاهرة ) ( 3/302 ) .
[23] ـ ( طبقاته ) ( 2/604 ) .
[24] ـ ( ص 11 ) .