تأليف
أحمد بن سُليمان بن صَباح أبو بكرة
التُرباني
الْحمد للهِ رَبِّ العالمين وَ
الصّلاةُ وَآلسَّلامُ على رَسول الله وعلى آلهِ وصَحبهِ أجْمَعين وَبَعْدُ :
تُطلق العِلة في اللغة على عدة
معان ، فمنها ( المرض ) ، قال ابن منظور في ( اللسان )[1]
: (عل يعل واعتل أي : مرض ، فهو عليل ، وأعله الله ، ولا أعلك الله أي : لا أصابك
بعلة .. ).
قال أحمد أبو بكرة التُرباني : وعلل الأنساب ، عبارة عن أسباب خفية تظهر بعد التفتيش والغربلة في أنساب
ظاهرُها الشهرة والسلامة .
ومن أهم المسائل النسبية والتي
يواجه فيها طالب العلم الصعوبة ، هي :
1ـ مسألة الشُهرة النسبية .
2ـ مسألة تداخل البطون .
وهذه المسائل لا يُفلح فيها إلا من
تمكن من الأصول وعلم الآلة ، ولهذا تجد الكثير ممن يكتبوا في الأنساب اليوم ،
يقعوا في الجهل الفاضح ، لأن هؤلاء ( عوام ) كتبوا كُتباً في أنساب قبائلهم ،
وأساءوا لها جداً من غير أن يعلموا ( ! ) فظنوا أنهم صاروا بعد ذلك من أهل النسبِ
( ؟! ) .. وهم والله من أهل التخريب ..
وقد كُنت أردد قديما أن سهولة تكلم
( العوام ) في الأنساب ، من أهم أسبابُ ضياعُها .. ولا نقصد بـ ( العوام ) هُنا ،
بائع الخسّ أو الجرجير ( !! ) وإنما نقصد بهؤلاء الذين حشروا أنوفهم في علم
الأنساب وكتبوا المقالات والرسائل وهم ( مجاهيل ) لا صلة لهم بالعلم أبداً ، وأما بائع الخَسّ والجرجير ( ! ) فهم يعترفوا
بجهلهم في ( العلوم ) لكن هؤلاء ( جماعة
أكلوني البراغيث ) يعتبر الواحد منهم نفسه عالماً وعارفاً ، فأساءوا ودمروا ( ! )
.. وإلى الله المُشتكى ..
باب ( عِللُ الشهرة النسبية )
قال أحمد أبو بكرة التُرباني : للشهرة النسبية ( شروط وضوابط ) ولا تُقبل الشهرة على العموم دون
الضوابط والشروط .. ولتوضيح هذه المسألة ، نقول :
الصحابي الجليل ( صهيب الرومي )
اشتهر بأنه ( رومي ! ) وهو من النمر بن قاسط صليبة ، فلو أخذنا بعموم الشهرة
لنسبنا ( صهيب ) للروم ؟!! .
فالشهرة النسبية لا يؤخذ بها ،
طالما لم يتوفر فيها الشروط والضوابط الدالة على صحة الشهرة وسلامتُها من النواقض
.
فهناك كثير من الأنساب اليوم ،
حازت الشهرة في حوشها ( ! ) بأنها ( قُرشية أو هاشمية أو تميمية أو أو .... الخ )
ولكن بعد التفتيش والتنقيب ، يظهر أنها شُهرة ( حادثة ) تُخالف الشهرة القديمة لها
، فتبطُل الشهرة ، وتُعد ( شهرة باطلة ) .
ونضرب مثالاً للتوضيح :
تزعم ( الرفاعية ) أنها هاشمية
الجذم ( ؟ ) وأن لها شهرة واسعة في الآفاق ( ! ) .. ولكن حين نُفتش في حال (
الرفاعية ) نجد أن شهرتهم حادثه و ( مُصطنعة ) ولا شهرة لهم قديماً بهذا النسب
المزعوم ..
قال ابن خلكان في ( وفيات الأعيان
) : (أبو
العباس أحمد بن أبي الحسن علي بن أبي العباس أحمد المعروف بابن الرفاعي؛ كان رجلاً
صالحاً فقيها شافعي المذهب، أصله من العرب، وسكن في البطائح بقرية يقال لها: أم
عبيدة، وانضم إليه خلق عظيم من الفقراء، وأحسنوا الاعتقاد فيه وتبعوه والطائفة
المعروفة بالرفاعية والبطائحية من الفقراء منسوبة إليه ، ولم يكن له عقب ، وإنما
العقب لأخيه وأولاده يتوارثون المشيخة والولاية على تلك الناحية إلى الآن ،
والرفاعي هذه النسبة إلى رجل من العرب يقال له رفاعة ، هكذا نقلته من خط بعض أهل بيته )[2]
.
قال أحمد أبو بكرة الترباني : قال ابن خلكان : ( هكذا نقلته من خط بعض أهل بيته ) ولم يذكروا أنهم من (
آل البيت ) إنما ذكروا أن جدهم من ( العرب ) فقط ، ولو كانوا من آل البيت لبينوا
ذلك له أو بينه هو واستدرك عليهم ونسبهم للشرف .
قال ابن عنبة في ( العُمدة ) : (وقد نسب
بعضهم الشيخ الجليل سيدي احمد ابن الرفاعي فقال : هو احمد بن علي بن يحيى بن ثابت
بن حازم بن علي بن الحسن بن المهدي بن القاسم بن محمد بن الحسين , ولم يذكر احد من علماء النسب للحسين ولداً اسمه محمد
, وحكى لي الشيخ النقيب تاج الدين , أن سيدي
احمد بن الرفاعي لم يدع هذا النسب , بل ادعاه أولاد أولاده والله اعلم )[3].
قال أحمد أبو بكرة الترباني : وهذا نص من ابن عنبة في عدم ذكر هذا النسب في انساب آل النبي ، وبين أن
أولاد الرفاعي هم من أدعوا هذا النسب .
لكن تعلق بعض (
العوام ! ) بقول ابن عنبة : ( سيدي أحمد ) ( !! ) وقالوا : ( خاطبه بالسيادة ) (
؟؟ ) ..
قلت : الحمد
لله على سلامة عقولنا من رَّوش هؤلاء ، فكلام ابن عنبة واضح في رد هذا النسب ،
وأما قوله ( سيدي ) فهي عادة عند بعض العلماء
مخاطبة الشيخ بـ ( سيدي ) تكريماً لشخصه وعلمه لا لنسبه ، وهذا النوع من
المخاطبة يكثر أيضاً عند الصوفية والعوام في مخاطبتهم الشيوخ بـ ( سيدي ) فهذا
خطاب لا تنسيب .
ودليل أن قولهم ( سيدي ) للرفاعي ،
خطاب تكريم لشخصه لا لنسبه ، ما قاله ابن
طولون في ( مفاكهة الخلان ) : ( والحال أن سيدي أحمد الرفاعي لم يكن له عقب ولم يكن شريفا )[4].
قال أحمد أبو بكرة الترباني : هنا يتبين لك أخي القارئ أن قولهم : ( سيدي ) هو خطاب واحترام لشخصه لا
لنسبه ، ودليل ذلك أن ابن طولون أبطل أنسابهم .
وقد قال العلامة محمود شكري
الآلوسي عن ادعاء الطائفة الرفاعية النسب العلوي : (كما ادعوا له الانتساب إلى
إبراهيم المرتضى بن موسى الكاظم رضي الله عنه ولا أصل له أيضاً .. )[5]
( مع القَّماش مهدي الرجائي )
قال المدعو " مهدي الرجائي !!
" وهو من القماشين الكبار ( ! ) في ( المعقبون من آل أبي طالب ) : ( ولآل
الرفاعي شهرة أجيالية في عدة قرون وفيهم نقباء وعلماء ونسابون .. )[6].
قال أحمد أبو
بكرة الترباني : الشهرة هذه
شُهرة { باطلة } ليست شُهرة { سليمة من القدح والنقض } فهؤلاء يجهلون معنى الشُهرة
بضوابطها وشروطها ، فهذه الدولة العُبيدية اليهودية اشتهر نسبهم العلوي المُصطنع
في الآفاق وسار به الركبان ، ومع ذلك فلا تُعد هذه { شُهرة } نسبية ، وتكون حُجة (
!! ) وذلك لأن كبار العُلماء نقضوا هذه الشهرة وجرحوها كـ ( الباقلاني ، أبو شامة
، ابن الجوزي ، ابن تيمية ، ابن كثير ، ابن قيم الجوزية ........ ) .
فالشُهرة التي يُبنى عليها
حُكم ، هي الشُهرة السليمة من { النقض
والجرح المُفسر } .. فالشُهرة لها ضوابط ،
لكن هؤلاء ساقوا الشُهرة بعمومها دون النظر لشروطها وضوابطها ، وهذا ما أساء لعلم
الأنساب ، فالشهرة لا تؤخذ على عمومها كما بينت آنفا إلا بضوابط وشروط .
وأنصح القارئ
العزيز أن يُراجع كتابي ( مجموع في الأنساب ) فقد فصَّلتُ في مسألة ( الشهرة ـ
ضوابطها وشروطها ـ ) لأن هذه المسألة يجهلها كثير ممن يدَّعون معرفة علم النسب .
وأما النقابات وغيرها ، فهذا انتشر
في زمن الدولة العثمانية التي كانت تُساعد على هذا الادعاء ، وخاصة في زمن أبو
الهدى الصيادي ـ كذاب عصره ـ حيث كان يضع الأنساب ويروج لها وخاصة ـ أنساب
الرفاعية ـ والله المستعان .
فأهل التاريخ
كـ ( ابن الأثير ، وسبط ابن الجوزي ،
والحافظ الذهبي ، والسيوطي ... الخ ) ذكروا الرفاعية ولم ينسبوهم للشرف إنما
نسبوهم لقبيلة من العرب ، وكفاك في هؤلاء أخي القارئ سنداً ، ودعك من بُنيات
الطريق .
باب ( مسألة تداخل البطون )
قال أحمد أبو بكرة الترباني : وهذه مسألة مهمة ،
يجهل مُفتاحها من فقد الأصول ..
فمن قوانين الأنساب تداخل أبناء العمومة في أنساب بعض ، ولا
يضر ذلك أبداً ، لأن الأرومة واحدة .. فلو وجدت مثلاً أن بعض أهل التاريخ عدَّ (
قبيلة الترابين و بني عطية ـ المعازة ـ والمساعيد ) من بطون ( الحويطات ) لا يضر
ذلك ، لأن الأرومة واحدة وكلهم ( عطويون ) .. وإنما يُصحح قول أهل التاريخ ونقول :
( الترابين و المعازة والمساعيد والحويطات ) كلها فروع من قبيلة ( بني عطية ) الأم
، وليس هذا خرج من ذاك أو ذاك خرج من هذا ( ! ) وإنما كُلها فروع مستقلة من قبيلة واحدة قديمة وهي ( بني عطية ).. وإذا حصل التداخل فيكون ذلك تداخل خاص لا ( عام
) ..
فهناك عائلات عمرانية و حويطية انصهرت مع قبيلة الترابين ،
وكلها أرومة واحدة عطوية الجذم ، ولكن هذه التداخلات كانت خاصة وليست عامة ، أي :
ليس عموم العمارين و الحويطات كُلها وإنما عوائل صغيرة منها ، وهو ما يُسمى : (
التداخل الخاص لا العام ) .
(
عِللُ تداخل البطون في نصوص المؤرخين )
اعلم أن الشريف البركاتي[7]
وعز الدين التنوخي[8]
و إبراهيم رفعت باشا[9]
و المحدث عبد الله الغازي[10]
المكي حين عَدَّوا ( الترابين و المعازة ... الخ ) من ( الحويطات ) لا يعني ذلك أن
الترابين والمعازة خرجوا من بطن ( الحويطات ) وإنما يدل ذلك على أنها ( أرومة
واحدة ) ( عطوية ) الجذم كما بين ذلك دفاتر الدولة العثمانية في القرن العاشر وأيد
ذلك النسابة الجزيري الحنبلي .
ولهذا تجد هذه القبائل العطوية ( الترابين ، الحويطات ،
الوحيدات ، المعازة ، المساعيد ... الخ ) تتفق في ( اللهجة و السُّحنة والعادات )
.. فلا تكاد أن تُفرق ( الترباني عن الحويطي ولا المعازي عن المسعودي .... )
.
وهذه القبائل عطوية جُذامية ، ولهذا نسَّبَ الشريف ( ابن
كبريت الحسيني[11]
" 1070هـ " والقطب النهروالي[12]
" 990هـ " .. ) قبيلة ( الحويطات ) إلى ( بني عقبة ) .. لأن بني عطية من
فروع بني عقبة ، و( عقبة ) هو والد ( عطية )[13]
كما بين ذلك النسابة الجزيري في ( الدرر ) .
وهذا من الأمثلة على ( عِلل تداخل البطون في نصوص المؤرخين
) .
( عِللُ النصوص النّسبية )
قال أحمد أبو بكرة التُرباني : وهذا النوع لا يفهمهُ ويَفِكُ قِفلهُ إلا من عَرفَ دهاليز أصول هذا الفن
وعَلِمَ مناهج العُلماء ..
وَنضرِبُ مِثالاً على هذا النوع
مِن ( عِللُ النصوص النَّسبية ) :
قال النّسابة الجزيري في ( الدُرر
)[14]
في حديثه عن " مهتار الفراشخاناه " : ( مارٌ على عُربان مُختلفة الأجناس
كالعُقبي والبلوي والعطوي والحويطي وغيرهم ).
قال أحمد أبو بكرة التُرباني : أخذ بهذا النَّص المعلول ، بعض ( العوام ) مِمن لا قرعة لهم في ساحات
العلم ، وذهبوا بأن هذا القول من الجزيري دليل على أن ( الحويطات و المعازة والترابين .. الخ ) هم أجناس مُختلفة لا نسب
بينهم ( ؟ ) ..
وهذا والله دليل الجنون ( ! ) فقد صّار الآن النسابة الجزيري عندهم ( نَسّابة
) ويستشهدوا بكلامه ( ! ) هو الجنون والتناقض ( ! ) .. ولا يعلم هؤلاء أن هذا النص
لا ضَرر فيه أبداً .. وهو نص مجمل وجب حمله على المُفصل من كلام الجزيري ..
وشَّرحُ عِلة هذا النص كما يلي :
1ـ أن قول الجزيري هذا يُحمل على
قاعدة ( حَمل المُجمل على المُفصَّل) ولأن هذا النص ( مُجمل ) وجبَ حملهُ على (
المُفصَّل ) .. والنسّابة الجزيري فَصَّلً في أنساب ( الحويطات والترابين والمعازة
... الخ ) في أكثر من صفحة وعدَّهم مِن أرومة واحدة ( بطون بني عطية ) فمن الكذب
والشَّنار التعلق بنص صغير ( موهم ) و ( مجمل ) وترك ما فَصَّله الجزيري في أكثر
الصفحات ، وهذا الفعلُ مِن التلاعب بالنصوص كفعلُ ( القرامطة واليهود ) .
ولم ينفرد النسَّابة الجزيري في أن
( الترابين و الحويطات والعمارين ... الخ ) من بني عطية أبداً ، بل أوضحت ( دفاتر
الدولة العُثمانية ) ذلك ، وكذلك القُطب النهروالي والشريف ابن كبريت الحُسيني حين
عدَّو ( الحويطات ) فرعاً من ( بني عُقبة ) دلالة على تواتر وتضافر النصوص القديمة
في أن هذه القبائل من ( أرومة واحدة ) ..
فمن جهل هؤلاء ( العوام ) أنهم
ساروا على مسلك ( القرامطة واليهود ) في ترك ما فَصَّله المؤلف الجزيري في هذه
القبائل العطوية والتعلق بالمُجمل من
كلامه ..
2ـ قال النَسّابة الجزيري ( الدرر
)[15]
مُفصلاً وشارحاً وموضِحاً في أنساب هذه العُربان : (وأما بنو عطية فهم طوائفٌ
كثيرة ، نذكرُ ما تَيَسَّر منهم : فمنهم العَمَارين – بعين مهملة مفتوحة ، وميم
مفتوحة ، وراء مهملة مكسورة بعدها ياء مثناة تحتية ساكنة ونون آخر الحرف – منهم
أحمد بن هضيبة ، ومحمود بن هلال ، وغريب ، ودَرَّاج بن حجاج ، ومحمد بن بدين ،
المقتول على يد قيت الداوودي دوادار أمير الحاج في سنة ست وخمسين وتسع مئة ، وهم
خُفراء نَخْل ، ويلوذون بالخولي زين الدين من جهة خان نخل ، ومَلْء الفساقي ،
والقيام معه في ذلك .
ومنهم التَّرابِيْن – بألف ولام
للتعريف ، وتاء مفتوحة مثناة ، وراء مهملة كذلك بعدها باء موحدة مكسورة ، وياء
تحتية ساكنة ، ونون آخر الحروف – يختصون بثمد الحصى ، والفيحاء ، ووادي العراقيب ،
وآبار العلائي نزولاً وطرقاً ، وليس لهم مُقرر أصالةً إلا الربع من خفارة عقبة
أيلة كما قَدَّمنا ذكرَهُ .. ) .
قال أحمد أبو بكرة التُرباني : أنظر رحمك الله إلى تفصّيلُ النسّابة الجزيري في ( ضَّبطُ اسم هذه
القبائل ) و التفصيل في ( نسَّبُها ورجالاتُها ) والتفصيل في ( ديارُها ) وهل بعد
هذا التفصيل الوافي يجرؤ ( قرامطة النصوص ) على دفع المُفصل والأخذ بالمُجمل ؟!! .
وكل هذه الطُرق الملتوية التي يسير
عليها ( قرامطة النصوص ) فقط لكي ينسبوا أنفسهم إلى ( قُريش ) زوراً ..
ولو سألت ( قرامطة النصوص ) من أي
قريش هُم ؟!! وهاتوا لنا النصوص القديمة التي تنسبهم لقريش في زمن الجزيري وقبله ،
لأصابتك الحُمّى من ( الجهل والكذب ) ..
فكثير من المؤرخين عدَّوا (
الترابين والعمارين والمساعيد ) من بطون ( الحويطات ) وليس هذا بصحيح كما بينا
آنفاً وإنما هي بطون مُستقلة وكُلها من أرومة واحدة من ( بني عطية ) .. فأنت ترى
هذه النصوص تدُل أيضاً على صِدقُ النصوص القديمة في أن هذه القبائل أرومة واحدة
ومن بقايا جّذام في ديارُها .. فكل هذه
النصوص تجبر بعضُها البعض فهي ( المُتابعات والشواهد ) في وحدة نسب هذه القبائل
العريقة ..
وقد بينتُ في مؤلفاتي[16]
النّسبية ومقالاتي أن ( بني عطية ) اليوم الساكنة في تبوك وغيرها ، هُم ( معازة )
فرعاً من قبيلة ( بني عطية ) الأم والتي خرج منها ( الترابين و الوحيدات والحويطات
والمساعيد والرتيمات ... الخ ) .. ودونك سّجلات الدولة العُثمانية في القرن العاشر
والحادي عشر ..
3ـ أن النسّابة الجزيري أخذ علمه
مِن نسابة و شيوخ ( بني عطية ) أنفسهم ، حيث قال في حديثه عن الوحيدات بني عطية
عند ( النجيعة ) : (وفي نسبته إلى الجدود خلاف بين أهل النسب من عرب بني عطية )[17]..
قال أحمد أبو بكرة التُرباني : وهذا يُبين لنا أن النسّابة
الجزيري أخذ أنساب ( الترابين و الوحيدات والمساعيد والعمارين والحويطات ... ) من
أفواه شيوخهم ، ناهيك بأن الجزيري كما قال الأخ الأستاذ المؤرخ ( نوفان السوارية )
أنه كان مُلازماً لوالده في ديوان الحج ثم توليه هو هذه المهمة ، واطلاعه على
الوثائق في هذا الديوان منذ مطلع العهد المملوكي ، وأوضح الأخ المؤرخ ( نوفان
السوارية ) عن النسابة الجزيري: ( وهذا أعطى رواياته ومعلوماته التي ساقها
مصداقية عالية )[18]
..
4ـ أن النسّابة الجزيري عارفاً في
أنساب قبائل بني عطية ويُميز بين ( الأصيل و الدخيل ) كما قال في ( الدرر )[19]:
( ومن لفيف بني عطية طائفة تُدعى السلالمة ) .. وقال أيضاً : ( والمعاريف من لفيف
بني عطية )[20]
وقال أيضاً : ( وطائفة تُدعى بأولاد عياد من لفيف بني عطية )[21]
قال أحمد أبو بكرة التُرباني : فالجزيري كما هو واضح ، عارفاً في دهاليز بطون ( بني عطية ) ويُميز بين
( الأصيل والدخيل ـ اللفوفة ـ ) .. مما يُبين لك فحولة وسعة اطلاع النسّابة
الجزيري في أنساب ( بني عطية ) ..
فأين ( قرامطة النصوص ) من أشعة
هذه النصوص الواضحة في ( تفصيل ) الجزيري ؟!.
5ـ قال النسّابة الجزيري في ( الدرر )[22]
: ( وعُقبة والد واصل وبني عطية .. الخ ) .
قال أحمد أبو بكرة التُرباني : فالجزيري عارفاً في أصل ( بني
عطية ) وعالماً ببطونها ، فلم يأتِ بهذا من جيبه وإنما جاء به من ( الوثائق ) التي
أطلع عليها ومن أفواه شيوخ بني عطية ..
لاسيما أنك إذا علمت مدى التوافق
بين هذه القبائل ، فـ ( الترابين والوحيدات ) أخوالُها ( بني واصل ) فكلُها أرومة
واحدة مُتشابكة .
6ـ قال النسّابة الجزيري في (
الدرر )[23]
في حديثه عن ( المنازل ) : ( أخبرني بذلك
الشيخ جلاس بن نصار بن جماز صاحب درك الوجه والرحبة وهو من مشاهير مشايخ بلي
الأحامدة ، وأخبرني خليل بن إبراهيم ( دوادار ) الشيخ عمرو بن عامر بن داود أمير
بني عقبة ... ) .
قال أحمد أبو بكرة التُرباني : فالنسّابة الجزيري كما أنه سأل وأخذ من شيوخ ( بني عطية ) فهو كذلك يسأل
شيوخ القبائل ، دلالة على تحريه في كل شيء ( الأنساب ، المنازل ... الخ ) .
7ـ قال النسّابة الجزيري في (
الدرر )[24]
: ( وأخبرني صاحبنا الشيخ العلامة المحقق
البليغ الأوحد قطب الملة والدين النهروالي ... ) .
قال أحمد أبو بكرة التُرباني : والنسّابة الجزيري أيضاً لم يكتفِ بسؤال شيوخ القبائل ، بل سأل أيضاً
العلماء .. والعلامة ( قطب الدين النهروالي )
في ( رحلته )[25]
قد عَدَّ ( الحويطات ) فِرعاً من ( بني عقبة ) وهذا يدل أن العلماء قديماً يتفقوا على وحدة
أنساب هذه القبائل ( الحويطات و الترابين والوحيدات .... الخ ) .
والأدلة كثير لا يسع المجال لذكرها
هُنا ، فحال هؤلاء ( قرامطة النصوص ) كحال غُلاة الصوفية والذين وقعوا على قول
الله تعالى : ( الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى
جُنُوبِهِمْ )[26]
فتركوا السُّنة الشارحة للقرآن وأخذوا بظاهر القول ومجمله ، ففسروا هذه الآية
بتفسيرهم الفاسد في ( القفز والدروشة والرقص ) .. فالحال واحد والحُمق واحد .. لا
عجب ( ! ) ..
( حُمق قرامطة النصوص )
قال المُتنبي[27]:
لكل داءٌ دواء يُسّتطب به إلا الحماقة أعيت من يداويها
وقع ( قرامطة النصوص النسبية ) على
قول النسابة الجزيري في حديثه عن ( عُربان العائد )[28]
وذكر ضمنهم ( الشرفاء بنو حسين ) حيث قال : ( الشرفاء بني حسين : وهم الفواطم وآل
هاشم والخرص ، منهم الشريف أحمد بن سليمان .... الخ ) .
قال أحمد أبو بكرة التُرباني : لقد أوضح الجزيري الأمر بنفسه حين خاطبهم بـ ( الشرف ) ولم يخاطب عرب
العائد بذلك ، فقد خاطب الجزيري شيوخ ( بنو حسين ) بـ ( الشريف ) ولم يُخاطب شيوخ
العائد بذلك ، مما يتضح لأطفال الكتاتيب أن الجزيري عدَّهم حِلفاً لا نسباً
.. وأوضح أنسابهم حين خاطبهم بـ ( الشرفاء
) .. ولكن الحُمق إذا تغلغل عقل الإنسان صعب أن تداويه ( ! ) كحال هؤلاء الحمقى ..
وهذا كله سببه تطفل ( المجاهيل ) و
( لُقطاء العلم ) على الأنساب ، فلو درسوا الأصول وعرفوا مباني العلوم ، لما وقعوا
بهذا الحُمق الفاضح ( ! ) والله المُستعان ..
فهذه الرسالة كتبتُها من باب
التذكير وزجرُ الجهال في الكلام في أنساب الناس بغير عِلم ، قال الرب سبحانه : ( وَلاَ
تَقْفٌ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ٌ إنَ السَمْعَ وَ البَصَرَ والفٌؤَادَ كٌلُ
أُلاَئِكَ كَانَ عنْه ُ مَسْؤولاََ )[29]..
فهي تذكرة عسى أن يهديهم الله (إن
في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد )[30]..
وكتبه :
أحمد بن سُليمان بن صَباح أبو بكرة
التُرباني العطوي
27/ ربيع الثاني / 1436هـ
لتحميل رسالة ( عِلَّلُ الأنساب ) هُنا :