علل الأنساب


   عِلَّلُ الأنسّاب

                              تأليف
           أحمد بن سُليمان بن صَباح أبو بكرة التُرباني


الْحمد للهِ رَبِّ العالمين وَ الصّلاةُ وَآلسَّلامُ على رَسول الله وعلى آلهِ وصَحبهِ أجْمَعين وَبَعْدُ :

تُطلق العِلة في اللغة على عدة معان ، فمنها ( المرض ) ، قال ابن منظور في ( اللسان )[1] : (عل يعل واعتل أي : مرض ، فهو عليل ، وأعله الله ، ولا أعلك الله أي : لا أصابك بعلة .. ).

قال أحمد أبو بكرة التُرباني : وعلل الأنساب ، عبارة عن أسباب خفية تظهر بعد التفتيش والغربلة في أنساب ظاهرُها الشهرة والسلامة .


ومن أهم المسائل النسبية والتي يواجه فيها طالب العلم الصعوبة ، هي :

مسألة الشُهرة النسبية .
مسألة تداخل البطون .

وهذه المسائل لا يُفلح فيها إلا من تمكن من الأصول وعلم الآلة ، ولهذا تجد الكثير ممن يكتبوا في الأنساب اليوم ، يقعوا في الجهل الفاضح ، لأن هؤلاء ( عوام ) كتبوا كُتباً في أنساب قبائلهم ، وأساءوا لها جداً من غير أن يعلموا ( ! ) فظنوا أنهم صاروا بعد ذلك من أهل النسبِ ( ؟! ) .. وهم والله من أهل التخريب ..

وقد كُنت أردد قديما أن سهولة تكلم ( العوام ) في الأنساب ، من أهم أسبابُ ضياعُها .. ولا نقصد بـ ( العوام ) هُنا ، بائع الخسّ أو الجرجير ( !! ) وإنما نقصد بهؤلاء الذين حشروا أنوفهم في علم الأنساب وكتبوا المقالات والرسائل وهم ( مجاهيل ) لا صلة لهم بالعلم أبداً ،   وأما بائع الخَسّ والجرجير ( ! ) فهم يعترفوا بجهلهم في ( العلوم )  لكن هؤلاء ( جماعة أكلوني البراغيث ) يعتبر الواحد منهم نفسه عالماً وعارفاً ، فأساءوا ودمروا ( ! ) .. وإلى الله المُشتكى ..


                  باب ( عِللُ الشهرة النسبية )

قال أحمد أبو بكرة التُرباني : للشهرة النسبية ( شروط وضوابط ) ولا تُقبل الشهرة على العموم دون الضوابط والشروط .. ولتوضيح هذه المسألة ، نقول :

الصحابي الجليل ( صهيب الرومي ) اشتهر بأنه ( رومي ! ) وهو من النمر بن قاسط صليبة ، فلو أخذنا بعموم الشهرة لنسبنا ( صهيب ) للروم ؟!! .

فالشهرة النسبية لا يؤخذ بها ، طالما لم يتوفر فيها الشروط والضوابط الدالة على صحة الشهرة وسلامتُها من النواقض .

فهناك كثير من الأنساب اليوم ، حازت الشهرة في حوشها ( ! ) بأنها ( قُرشية أو هاشمية أو تميمية أو أو .... الخ ) ولكن بعد التفتيش والتنقيب ، يظهر أنها شُهرة ( حادثة ) تُخالف الشهرة القديمة لها ، فتبطُل الشهرة ، وتُعد ( شهرة باطلة ) .

ونضرب مثالاً للتوضيح :

تزعم ( الرفاعية ) أنها هاشمية الجذم ( ؟ ) وأن لها شهرة واسعة في الآفاق ( ! ) .. ولكن حين نُفتش في حال ( الرفاعية ) نجد أن شهرتهم حادثه و ( مُصطنعة ) ولا شهرة لهم قديماً بهذا النسب المزعوم ..

قال ابن خلكان في ( وفيات الأعيان ) : (أبو العباس أحمد بن أبي الحسن علي بن أبي العباس أحمد المعروف بابن الرفاعي؛ كان رجلاً صالحاً فقيها شافعي المذهب، أصله من العرب، وسكن في البطائح بقرية يقال لها: أم عبيدة، وانضم إليه خلق عظيم من الفقراء، وأحسنوا الاعتقاد فيه وتبعوه والطائفة المعروفة بالرفاعية والبطائحية من الفقراء منسوبة إليه ، ولم يكن له عقب ، وإنما العقب لأخيه وأولاده يتوارثون المشيخة والولاية على تلك الناحية إلى الآن ، والرفاعي هذه النسبة إلى رجل من العرب يقال له رفاعة ، هكذا نقلته من خط بعض أهل بيته )[2] .

قال أحمد أبو بكرة الترباني : قال ابن خلكان : ( هكذا نقلته من خط بعض أهل بيته ) ولم يذكروا أنهم من ( آل البيت ) إنما ذكروا أن جدهم من ( العرب ) فقط ، ولو كانوا من آل البيت لبينوا ذلك له أو بينه هو واستدرك عليهم ونسبهم للشرف .

قال ابن عنبة في ( العُمدة ) : (وقد نسب بعضهم الشيخ الجليل سيدي احمد ابن الرفاعي فقال : هو احمد بن علي بن يحيى بن ثابت بن حازم بن علي بن الحسن بن المهدي بن القاسم بن محمد بن الحسين , ولم يذكر احد من علماء النسب للحسين ولداً اسمه محمد , وحكى لي الشيخ النقيب تاج الدين , أن سيدي احمد بن الرفاعي لم يدع هذا النسب , بل ادعاه أولاد أولاده والله اعلم )[3].

قال أحمد أبو بكرة الترباني : وهذا نص من ابن عنبة في عدم ذكر هذا النسب في انساب آل النبي ، وبين أن أولاد الرفاعي هم من أدعوا هذا النسب .

لكن تعلق بعض ( العوام ! ) بقول ابن عنبة : ( سيدي أحمد ) ( !! ) وقالوا : ( خاطبه بالسيادة ) ( ؟؟ ) ..

قلت : الحمد لله على سلامة عقولنا من رَّوش هؤلاء ، فكلام ابن عنبة واضح في رد هذا النسب ، وأما قوله ( سيدي ) فهي عادة عند بعض العلماء  مخاطبة الشيخ بـ ( سيدي ) تكريماً لشخصه وعلمه لا لنسبه ، وهذا النوع من المخاطبة يكثر أيضاً عند الصوفية والعوام في مخاطبتهم الشيوخ بـ ( سيدي ) فهذا خطاب لا تنسيب .  


ودليل أن قولهم ( سيدي ) للرفاعي ، خطاب تكريم لشخصه لا لنسبه ، ما قاله  ابن طولون في ( مفاكهة الخلان ) : ( والحال أن سيدي أحمد الرفاعي لم يكن له عقب ولم يكن شريفا )[4].
قال أحمد أبو بكرة الترباني : هنا يتبين لك أخي القارئ أن قولهم : ( سيدي ) هو خطاب واحترام لشخصه لا لنسبه ، ودليل ذلك أن ابن طولون أبطل أنسابهم .

وقد قال العلامة محمود شكري الآلوسي عن ادعاء الطائفة الرفاعية النسب العلوي : (كما ادعوا له الانتساب إلى إبراهيم المرتضى بن موسى الكاظم رضي الله عنه ولا أصل له أيضاً .. )[5]


                 ( مع القَّماش مهدي الرجائي )

قال المدعو " مهدي الرجائي !! " وهو من القماشين الكبار ( ! ) في ( المعقبون من آل أبي طالب ) : ( ولآل الرفاعي شهرة أجيالية في عدة قرون وفيهم نقباء وعلماء ونسابون .. )[6].

قال أحمد أبو بكرة الترباني : الشهرة هذه شُهرة { باطلة } ليست شُهرة { سليمة من القدح والنقض } فهؤلاء يجهلون معنى الشُهرة بضوابطها وشروطها ، فهذه الدولة العُبيدية اليهودية اشتهر نسبهم العلوي المُصطنع في الآفاق وسار به الركبان ، ومع ذلك فلا تُعد هذه { شُهرة } نسبية ، وتكون حُجة ( !! ) وذلك لأن كبار العُلماء نقضوا هذه الشهرة وجرحوها كـ ( الباقلاني ، أبو شامة ، ابن الجوزي ، ابن تيمية ، ابن كثير ، ابن قيم الجوزية ........ ) .

فالشُهرة التي يُبنى عليها حُكم  ، هي الشُهرة السليمة من { النقض والجرح المُفسر } ..  فالشُهرة لها ضوابط ، لكن هؤلاء ساقوا الشُهرة بعمومها دون النظر لشروطها وضوابطها ، وهذا ما أساء لعلم الأنساب ، فالشهرة لا تؤخذ على عمومها كما بينت آنفا إلا بضوابط وشروط .

وأنصح القارئ العزيز أن يُراجع كتابي ( مجموع في الأنساب ) فقد فصَّلتُ في مسألة ( الشهرة ـ ضوابطها وشروطها ـ ) لأن هذه المسألة يجهلها كثير ممن يدَّعون معرفة علم النسب .

وأما النقابات وغيرها ، فهذا انتشر في زمن الدولة العثمانية التي كانت تُساعد على هذا الادعاء ، وخاصة في زمن أبو الهدى الصيادي ـ كذاب عصره ـ حيث كان يضع الأنساب ويروج لها وخاصة ـ أنساب الرفاعية ـ والله المستعان .

فأهل التاريخ كـ ( ابن الأثير ، وسبط ابن الجوزي ، والحافظ الذهبي ، والسيوطي ... الخ ) ذكروا الرفاعية ولم ينسبوهم للشرف إنما نسبوهم لقبيلة من العرب ، وكفاك في هؤلاء أخي القارئ سنداً ، ودعك من بُنيات الطريق .



                باب (  مسألة تداخل البطون )


قال أحمد أبو بكرة الترباني : وهذه مسألة مهمة ، يجهل مُفتاحها من فقد الأصول ..
فمن قوانين الأنساب تداخل أبناء العمومة في أنساب بعض ، ولا يضر ذلك أبداً ، لأن الأرومة واحدة .. فلو وجدت مثلاً أن بعض أهل التاريخ عدَّ ( قبيلة الترابين و بني عطية ـ المعازة ـ والمساعيد ) من بطون ( الحويطات ) لا يضر ذلك ، لأن الأرومة واحدة وكلهم ( عطويون ) .. وإنما يُصحح قول أهل التاريخ ونقول : ( الترابين و المعازة والمساعيد والحويطات ) كلها فروع من قبيلة ( بني عطية ) الأم ، وليس هذا خرج من ذاك أو ذاك خرج من هذا ( ! ) وإنما كُلها فروع  مستقلة من قبيلة واحدة قديمة  وهي ( بني عطية )..  وإذا حصل التداخل فيكون ذلك تداخل خاص لا ( عام ) ..
فهناك عائلات عمرانية و حويطية انصهرت مع قبيلة الترابين ، وكلها أرومة واحدة عطوية الجذم ، ولكن هذه التداخلات كانت خاصة وليست عامة ، أي : ليس عموم العمارين و الحويطات كُلها وإنما عوائل صغيرة منها ، وهو ما يُسمى : ( التداخل الخاص لا العام ) .

            ( عِللُ تداخل البطون في نصوص المؤرخين )

اعلم أن الشريف البركاتي[7] وعز الدين التنوخي[8] و إبراهيم رفعت باشا[9]  و المحدث عبد الله الغازي[10] المكي حين عَدَّوا ( الترابين و المعازة ... الخ ) من ( الحويطات ) لا يعني ذلك أن الترابين  والمعازة خرجوا من بطن  ( الحويطات ) وإنما يدل ذلك على أنها ( أرومة واحدة ) ( عطوية ) الجذم كما بين ذلك دفاتر الدولة العثمانية في القرن العاشر وأيد ذلك النسابة الجزيري الحنبلي .

ولهذا تجد هذه القبائل العطوية ( الترابين ، الحويطات ، الوحيدات ، المعازة ، المساعيد ... الخ ) تتفق في ( اللهجة و السُّحنة والعادات ) .. فلا تكاد أن تُفرق ( الترباني عن الحويطي ولا المعازي عن المسعودي .... ) . 

وهذه القبائل عطوية جُذامية ، ولهذا نسَّبَ الشريف ( ابن كبريت الحسيني[11] " 1070هـ " والقطب النهروالي[12] " 990هـ " .. ) قبيلة ( الحويطات ) إلى ( بني عقبة ) .. لأن بني عطية من فروع بني عقبة ، و( عقبة ) هو والد ( عطية )[13] كما بين ذلك النسابة الجزيري في ( الدرر ) .

وهذا من الأمثلة على ( عِلل تداخل البطون في نصوص المؤرخين )  .
أ
  

                 ( عِللُ النصوص النّسبية )


قال أحمد أبو بكرة التُرباني : وهذا النوع لا يفهمهُ ويَفِكُ قِفلهُ إلا من عَرفَ دهاليز أصول هذا الفن وعَلِمَ مناهج العُلماء ..

وَنضرِبُ مِثالاً على هذا النوع مِن ( عِللُ النصوص النَّسبية ) :

قال النّسابة الجزيري في ( الدُرر )[14] في حديثه عن " مهتار الفراشخاناه " : ( مارٌ على عُربان مُختلفة الأجناس كالعُقبي والبلوي والعطوي والحويطي وغيرهم ).

قال أحمد أبو بكرة التُرباني : أخذ بهذا النَّص المعلول ، بعض ( العوام ) مِمن لا قرعة لهم في ساحات العلم ، وذهبوا بأن هذا القول من الجزيري دليل على أن ( الحويطات و المعازة  والترابين .. الخ ) هم أجناس مُختلفة لا نسب بينهم ( ؟ ) ..

وهذا والله دليل الجنون ( ! )  فقد صّار الآن النسابة الجزيري عندهم ( نَسّابة ) ويستشهدوا بكلامه ( ! ) هو الجنون والتناقض ( ! ) .. ولا يعلم هؤلاء أن هذا النص لا ضَرر فيه أبداً .. وهو نص مجمل وجب حمله على المُفصل من كلام الجزيري ..

وشَّرحُ عِلة هذا النص كما يلي :

1ـ أن قول الجزيري هذا يُحمل على قاعدة (  حَمل المُجمل على المُفصَّل) ولأن هذا النص ( مُجمل ) وجبَ حملهُ على ( المُفصَّل ) .. والنسّابة الجزيري فَصَّلً في أنساب ( الحويطات والترابين والمعازة ... الخ ) في أكثر من صفحة وعدَّهم مِن أرومة واحدة ( بطون بني عطية ) فمن الكذب والشَّنار التعلق بنص صغير ( موهم ) و ( مجمل ) وترك ما فَصَّله الجزيري في أكثر الصفحات ، وهذا الفعلُ مِن التلاعب بالنصوص كفعلُ ( القرامطة واليهود ) .
ولم ينفرد النسَّابة الجزيري في أن ( الترابين و الحويطات والعمارين ... الخ ) من بني عطية أبداً ، بل أوضحت ( دفاتر الدولة العُثمانية ) ذلك ، وكذلك القُطب النهروالي والشريف ابن كبريت الحُسيني حين عدَّو ( الحويطات ) فرعاً من ( بني عُقبة ) دلالة على تواتر وتضافر النصوص القديمة في أن هذه القبائل من ( أرومة واحدة ) ..
فمن جهل هؤلاء ( العوام ) أنهم ساروا على مسلك ( القرامطة واليهود ) في ترك ما فَصَّله المؤلف الجزيري في هذه القبائل العطوية  والتعلق بالمُجمل من كلامه ..

2ـ قال النَسّابة الجزيري ( الدرر )[15] مُفصلاً وشارحاً وموضِحاً في أنساب هذه العُربان : (وأما بنو عطية فهم طوائفٌ كثيرة ، نذكرُ ما تَيَسَّر منهم : فمنهم العَمَارين – بعين مهملة مفتوحة ، وميم مفتوحة ، وراء مهملة مكسورة بعدها ياء مثناة تحتية ساكنة ونون آخر الحرف – منهم أحمد بن هضيبة ، ومحمود بن هلال ، وغريب ، ودَرَّاج بن حجاج ، ومحمد بن بدين ، المقتول على يد قيت الداوودي دوادار أمير الحاج في سنة ست وخمسين وتسع مئة ، وهم خُفراء نَخْل ، ويلوذون بالخولي زين الدين من جهة خان نخل ، ومَلْء الفساقي ، والقيام معه في ذلك .
ومنهم التَّرابِيْن – بألف ولام للتعريف ، وتاء مفتوحة مثناة ، وراء مهملة كذلك بعدها باء موحدة مكسورة ، وياء تحتية ساكنة ، ونون آخر الحروف – يختصون بثمد الحصى ، والفيحاء ، ووادي العراقيب ، وآبار العلائي نزولاً وطرقاً ، وليس لهم مُقرر أصالةً إلا الربع من خفارة عقبة أيلة كما قَدَّمنا ذكرَهُ .. ) .

قال أحمد أبو بكرة التُرباني : أنظر رحمك الله إلى تفصّيلُ النسّابة الجزيري في ( ضَّبطُ اسم هذه القبائل ) و التفصيل في ( نسَّبُها ورجالاتُها ) والتفصيل في ( ديارُها ) وهل بعد هذا التفصيل الوافي يجرؤ ( قرامطة النصوص ) على دفع المُفصل والأخذ بالمُجمل ؟!! .

وكل هذه الطُرق الملتوية التي يسير عليها ( قرامطة النصوص ) فقط لكي ينسبوا أنفسهم إلى ( قُريش ) زوراً ..

ولو سألت ( قرامطة النصوص ) من أي قريش هُم ؟!! وهاتوا لنا النصوص القديمة التي تنسبهم لقريش في زمن الجزيري وقبله ، لأصابتك الحُمّى من ( الجهل والكذب ) ..

فكثير من المؤرخين عدَّوا ( الترابين والعمارين والمساعيد ) من بطون ( الحويطات ) وليس هذا بصحيح كما بينا آنفاً وإنما هي بطون مُستقلة وكُلها من أرومة واحدة من ( بني عطية ) .. فأنت ترى هذه النصوص تدُل أيضاً على صِدقُ النصوص القديمة في أن هذه القبائل أرومة واحدة ومن بقايا جّذام في ديارُها ..  فكل هذه النصوص تجبر بعضُها البعض فهي ( المُتابعات والشواهد ) في وحدة نسب هذه القبائل العريقة ..

وقد بينتُ في مؤلفاتي[16] النّسبية ومقالاتي أن ( بني عطية ) اليوم الساكنة في تبوك وغيرها ، هُم ( معازة ) فرعاً من قبيلة ( بني عطية ) الأم والتي خرج منها ( الترابين و الوحيدات والحويطات والمساعيد والرتيمات ... الخ ) .. ودونك سّجلات الدولة العُثمانية في القرن العاشر والحادي عشر ..

3ـ أن النسّابة الجزيري أخذ علمه مِن نسابة و شيوخ ( بني عطية ) أنفسهم ، حيث قال في حديثه عن الوحيدات بني عطية عند ( النجيعة ) : (وفي نسبته إلى الجدود خلاف بين أهل النسب من عرب بني عطية )[17]..

قال أحمد أبو بكرة التُرباني :  وهذا يُبين لنا أن النسّابة الجزيري أخذ أنساب ( الترابين و الوحيدات والمساعيد والعمارين والحويطات ... ) من أفواه شيوخهم ، ناهيك بأن الجزيري كما قال الأخ الأستاذ المؤرخ ( نوفان السوارية ) أنه كان مُلازماً لوالده في ديوان الحج ثم توليه هو هذه المهمة ، واطلاعه على الوثائق في هذا الديوان منذ مطلع العهد المملوكي ، وأوضح الأخ المؤرخ ( نوفان السوارية )  عن النسابة الجزيري: (  وهذا أعطى رواياته ومعلوماته التي ساقها مصداقية عالية )[18] ..

4ـ أن النسّابة الجزيري عارفاً في أنساب قبائل بني عطية ويُميز بين ( الأصيل و الدخيل )  كما قال في ( الدرر )[19]: ( ومن لفيف بني عطية طائفة تُدعى السلالمة ) .. وقال أيضاً : ( والمعاريف من لفيف بني عطية )[20] وقال أيضاً : ( وطائفة تُدعى بأولاد عياد من لفيف بني عطية )[21]

قال أحمد أبو بكرة التُرباني : فالجزيري كما هو واضح ، عارفاً في دهاليز بطون ( بني عطية ) ويُميز بين ( الأصيل والدخيل ـ اللفوفة ـ ) .. مما يُبين لك فحولة وسعة اطلاع النسّابة الجزيري في أنساب ( بني عطية ) ..

فأين ( قرامطة النصوص ) من أشعة هذه النصوص الواضحة في ( تفصيل ) الجزيري ؟!.

5ـ  قال النسّابة الجزيري في ( الدرر )[22] : ( وعُقبة والد واصل وبني عطية .. الخ ) .

قال أحمد أبو بكرة التُرباني :  فالجزيري عارفاً في أصل ( بني عطية ) وعالماً ببطونها ، فلم يأتِ بهذا من جيبه وإنما جاء به من ( الوثائق ) التي أطلع عليها ومن أفواه شيوخ بني عطية ..
لاسيما أنك إذا علمت مدى التوافق بين هذه القبائل ، فـ ( الترابين والوحيدات ) أخوالُها ( بني واصل ) فكلُها أرومة واحدة مُتشابكة .

6ـ قال النسّابة الجزيري في ( الدرر )[23] في حديثه عن ( المنازل ) : (  أخبرني بذلك الشيخ جلاس بن نصار بن جماز صاحب درك الوجه والرحبة وهو من مشاهير مشايخ بلي الأحامدة ، وأخبرني خليل بن إبراهيم ( دوادار ) الشيخ عمرو بن عامر بن داود أمير بني عقبة ... ) .

قال أحمد أبو بكرة التُرباني : فالنسّابة الجزيري كما أنه سأل وأخذ من شيوخ ( بني عطية ) فهو كذلك يسأل شيوخ القبائل ، دلالة على تحريه في كل شيء ( الأنساب ، المنازل ... الخ ) .

7ـ قال النسّابة الجزيري في ( الدرر )[24] : (  وأخبرني صاحبنا الشيخ العلامة المحقق البليغ الأوحد قطب الملة والدين النهروالي ... ) .

قال أحمد أبو بكرة التُرباني : والنسّابة الجزيري أيضاً لم يكتفِ بسؤال شيوخ القبائل ، بل سأل أيضاً العلماء .. والعلامة ( قطب الدين النهروالي )  في ( رحلته )[25] قد عَدَّ ( الحويطات ) فِرعاً من ( بني عقبة )  وهذا يدل أن العلماء قديماً يتفقوا على وحدة أنساب هذه القبائل ( الحويطات و الترابين والوحيدات .... الخ ) .


والأدلة كثير لا يسع المجال لذكرها هُنا ، فحال هؤلاء ( قرامطة النصوص ) كحال غُلاة الصوفية والذين وقعوا على قول الله تعالى : ( الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ )[26] فتركوا السُّنة الشارحة للقرآن وأخذوا بظاهر القول ومجمله ، ففسروا هذه الآية بتفسيرهم الفاسد في ( القفز والدروشة والرقص ) .. فالحال واحد والحُمق واحد .. لا عجب ( ! ) ..



                       ( حُمق قرامطة النصوص )


قال المُتنبي[27]:

لكل داءٌ دواء يُسّتطب به         إلا الحماقة أعيت من يداويها

وقع ( قرامطة النصوص النسبية ) على قول النسابة الجزيري في حديثه عن ( عُربان العائد )[28] وذكر ضمنهم ( الشرفاء بنو حسين ) حيث قال : ( الشرفاء بني حسين : وهم الفواطم وآل هاشم والخرص ، منهم الشريف أحمد بن سليمان .... الخ ) .

قال أحمد أبو بكرة التُرباني : لقد أوضح الجزيري الأمر بنفسه حين خاطبهم بـ ( الشرف ) ولم يخاطب عرب العائد بذلك ، فقد خاطب الجزيري شيوخ ( بنو حسين ) بـ ( الشريف ) ولم يُخاطب شيوخ العائد بذلك ، مما يتضح لأطفال الكتاتيب أن الجزيري عدَّهم حِلفاً لا نسباً ..  وأوضح أنسابهم حين خاطبهم بـ ( الشرفاء ) .. ولكن الحُمق إذا تغلغل عقل الإنسان صعب أن تداويه ( ! ) كحال هؤلاء الحمقى ..
وهذا كله سببه تطفل ( المجاهيل ) و ( لُقطاء العلم ) على الأنساب ، فلو درسوا الأصول وعرفوا مباني العلوم ، لما وقعوا بهذا الحُمق الفاضح ( ! ) والله المُستعان ..

فهذه الرسالة كتبتُها من باب التذكير وزجرُ الجهال في الكلام في أنساب الناس بغير عِلم ، قال الرب سبحانه : ( وَلاَ تَقْفٌ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ٌ إنَ السَمْعَ وَ البَصَرَ والفٌؤَادَ كٌلُ أُلاَئِكَ كَانَ عنْه ُ مَسْؤولاََ )[29]..

فهي تذكرة عسى أن يهديهم الله (إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد )[30]..

وكتبه :

أحمد بن سُليمان بن صَباح أبو بكرة التُرباني العطوي
27/ ربيع الثاني /  1436هـ



 لتحميل رسالة ( عِلَّلُ الأنساب ) هُنا :










[1] ـ ( 2/243) .
[2] ـ ( 1/171).
[3] ـ ( 176 ).
[4] ـ ( 248 ) .
[5] ـ ( غاية الأماني ) ( 1/294 ).
[6] ـ ( 103 ) .
[7] ـ ( الرحلة اليمانية ) ( 120 ) .
[8] ـ ( الرحلة التنوخية ) ( 25 ) .
[9] ـ ( مرآة الحرمين ) .
[10] ـ ( إفادة الأنام بذكر أخبار بلد الله الحرام ) ( 2م 103 ).
[11] ـ  ( رحلة الشتاء والصيف ) ( 106 ) .
[12] ـ ( الفوائد السنية في الرحلة المدنية والرومية ) ( 231 ) .
[13] ـ قال الجزيري في ( الدرر ) (2/1324) : ( وعقبة والد بني واصل وبني عطية وبني شاكر ... الخ ) .
[14] ـ ( 1/ 209 ) .
[15] ـ ( 2/116 ) .
[16] ـ راجع كتابنا ( الكُناش ) و ( الوجيز ) .
[17] ـ ( 2/ 1344 ) .
[18]  ـ  راجع بيان الأخ المؤرخ نوفان السوارية في منهجية النسابة الجزيري في مقالتُنا ( زيارتي للأستاذ المؤرخ نوفان السوارية ) .
[19] ـ ( 1/ 137 ) .
[20] ـ ( 2/119 ) .
[21] ـ ( 1/ 202 ) .
[22] ـ ( 2/ 1324 ) .
[23] ـ ( 1/ 150 ) .
[24]  ـ ( 1/ 150 ) .
[25]  ـ ( الفوائد السنية ) ( 231 ) .
[26] ـ ( آل عمران 191 ) .
[27]  ـ ( ديوان المتنبي ) ( 152 ) .
[28] ـ راجع ( الدرر )  .
[29] ـ ( الإسراء 36 ) .
[30] ـ ( ق 37 ) .