الْحمد للهِ رَبِّ العالمين وَ
الصّلاةُ وَآلسَّلامُ على رَسول الله وعلى آلهِ وصَحبهِ أجْمَعين وَبَعْدُ :
فَقَد جَرَى بَيْني وَبَينَ الأخ
الكَبيرْ الشَيخ { عَبد القادر الجُنيد العَلوي نَسباً
والأثري مَنهجاً } اتِصالاً قَبلُ مُدةٌ وَكَان ضِمنُ الاتصال حَديثُنا عَن
{ الأنساب } وأخبَرَني عَن رِسالته وَالتي
صَنَّفها في الرَد على فَتوى ( ابن جبرين ) قَبل
زَمنْ فِي مَسألة { نَسبُ آل البيت ـ رضوان الله عليهم ـ
} ..
وَقدْ أطَلَعتُ عَلى رِسَالته وَقَد أجادَ في رَد تِلكَ الشُبه وَدَّوخها ،
إلا أنَني أحبَبتُ أن أكمِلُ تَدويخُ هَذهِ الشُبه وَنَسفُ سَاسُها ؛ وَقَد أذِنَ
لَنا الأخ الكَبير " عَبد القادر الجنيد "
بِالتذييلُ على رِسالته ، وقال : { لَكَ الحُرية
المُطلقة في ذلك } ..
وَنَشرَعُ في لُبْ المَقَال :
شُبهةُ {
البُعدُ الزَمَنيّ } هَذهِ لا يُؤخَذَ بِها لِنَفيُ الأنَسّاب ، فَهذا مَنهج بَاطل ، فَقَبائلُ العَرب بَاقيةٌ
إلى يَوم القيامة ، ومَعروفةُ أنسَّابهُا إلى يَومِ القيَامة ولَكنَ يَحصلُ عَدَم
الحِفظُ لسِلسِلةُ الَنسّب بَينَ القَبيلة اليَوم إلى جَذمُها القَديم وهَذا دّارج
عِندَ { قَبائلُ البَادية } فأنسّابِهم محَفوظَةٌ
ومَعروفَة في كُتب أهل النسّب الِثقَات لكنَ بِسَببِ عَدَمِ مَعرِفَتِهم بِالكِتَابةِ
وتَدوينُ أنسّابِهم في الكَراريس يَفقِدون السِلسِلة الموصِلة للجَذمُ القَديم ،
ولكنَ أنسّابِهم ثَابتةٌ لا يَنَتطِحُ فيهَا عَنزَان ..
وأما { الأشّرَاف
ـ أبناء الحَسنُ والحُسينْ ـ رضي الله عنهما ـ } فَحُجَة البُعد الزَمَنيّ
لا تَنطَبِقُ عَليهم أبداً وذلكَ لِعنايَتهم الشَّديدَة في أنسّابِهم وكَذلكَ عِنَايةُ
العُلَمَاء في تَدوينُها وتَسّجيلُها في مُشّجراتِهم ..
فَتَجِد الهَاشِّمي يَحفَظُ سِلسِلةُ
نَسَّبِهم إلى جِدهُ الأعلَى { عَلّي بن أبي طالب ـ رضي
الله عنه ـ } وَتَجِد ذَلك في مُشَّجرَاتهم ومُدَّونةٌ في كُتبْ الأنسّابِ ، وَهَذا مِمَا يَجعَلُ النَسّابَة يَكشّفُ { الأدّعِياء } الذينَ دَّحشّوا أصلابِهم في النَسَّب الهَاشّمي
زورَاً .
وَقدّ يَحصِلُ بًعض الاختِلالُ أو
السّقطِ في انسّاب الهَواشِّم ولَكن لا يَضرُ ذَلكَ بسَببِ امتِلاكِهم { الشُّهرةَ السَّليمة من الجَرح المُفسّر أو القَّدحِ ومُخَالفة
أقوال أهلُ النَسّب } ..
فَقبائلُ العَرب بَاقيةٌ وأنَسّابِهم
بَّاقية بِبَقائِهم ، والدَّليلُ على ذَلكَ :
1ـ قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم
ـ : ( لا تقوم الساعة حتى يخرج رجلٌ من قحطان يسوق
الناس بعصاه ) .
قلتُ : وهذا دَليل عَلى بَقاء حِفظُ النَسّب إلى يَوم القيَامة وبَقاء قَحطّان
إلى يوم القيَامة ، فَالذي يَنفي الأنَسّاب أو يُشّككَ بها بحُجة { البُعد الزمني } يَلزَمهُ نَفي أنَسّاب { قَبَائلُ قَحطّان } للبُعدُ الزَمَني ، وَقَحطّان هُنا
ليسَ المُرادُ بِها قَبيلة { قَحطّان اليَوم } فَهذهِ قَبيلة حمَلت الاسم القَديم
ومَا هيَ إلا فِرعاً ، إنما المَقصود بـ { قَحطّان
} هُنا عَامة ، تلِكَ القَبائلُ القَحطّانِيةَ
مثلُ { جُذام ، لخم ، عاملة ، طيء ، مذحج ....
الخ } وهذا الحَديث يُبينَ أنَّ هذهِ القَبائل بِاقيةٌ إلى يَوم القيَامة ، فَالنَسّب
بَاقي بِبَقاء العَرب ومَحفوظ بِبَقاء العَرب ، كَيفَ لا وهَيَ أغيرُ الأُمَم ؟!.
فَكَيفَ يَعرِفوا في آخرِ الزَمان
أنَّ هَذا هوَ القَحطّانيّ الَذي أشَّارَ إليهِ نَبيَنا الأعظم ـ صلى الله عليه
وسلم ـ إلا بِبَقاء هَذهِ القَبائل وبَقاء عِلم النَسّبِ ..
2ـ قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (وَآخِرُ مَنْ
يُحْشَرُ رَاعِيَانِ مِنْ مُزَيْنَةَ يُرِيدَانِ الْمَدِينَةَ يَنْعِقَانِ
بِغَنَمِهِمَا فَيَجِدَانِهَا وَحْشًا حَتَّى إِذَا بَلَغَا ثَنِيَّةَ الْوَدَاعِ
خَرَّا عَلَى وُجُوهِهِمَا .. ).
قلتُ : وفي هذا الحديث دلالة على بقاء قبيلة { مُزينة
} إلى آخر الزمان ، ومُزينة اليوم جُلها في { مِصر
} وشمال الحجاز وبطون متفرقة في طيبة دخلت في حرب حلفاً ، فمن يرفع راية هذه
الشُبهة { البُعد الزمني } لزِمهُ أن ينفي مُزينة
اليوم ( !! ) وهذا والله منهج لنسف قبائل العرب وتضليلُها وتضييع أنسابها ..
وأما قولُ الشيخ ابن جبرين : (ولا شك أن من يدعون أنهم من الهاشميين في دعواهم نظر وذلك
لبعد النسب )[1]
( ؟ ) .
قلتُ : بُعد النسب هُنا هو { البُعد الزمني }
والتشكيك في الأنساب بسبب هذه الحُجة منهج { سقيم
} .. فالصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ والتابعين كانوا ينسبون أنفسهم لأجدادهم
الأوائل رغم البُعد الزمني بينهم وبين { قُرميتهم ـ أي
الأصل القديم ـ } ولم نسمع بهذه الأقوال والشُبهة كـ { البُعد الزمني }( !! ) عندهم .
فهذا الصحابي الجليل { عبد الله بن سلام } من عقب { نبي
الله يوسف } كما بين ذلك أهل العلم[2]
. والمُدة الزمنية بين الصحابي الجليل عبد الله بن سلام وبين جده نبي الله يوسف
مدة بعيدة ، فهل سمعنا من العلماء أنهم شككوا في نسبه بحجة { البُعد الزمني ـ بُعد النسب } ؟؟؟!!! ..
فإذا كانوا بني إسرائيل يحفظون
أنسابهم رغم البُعد الزمني فالعرب أكثر وأكثر في حفظ أنسابهم ، بل مَدَّ ذلك بأن
جعلوا لخيولهم وكِلابهم السلوقية أنساب ..
ثم أن استشهاد البعض ( ! ) بخبر
ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ : (كان إذا انتسب لم يجاوز
في نسبته معد بن عدنان بن أدد ثم يمسك و يقول : كذب النسابون قال الله تعالى ( وقرونا بين ذلك كثيرا ) ...
) .
قلتُ : هذا الخبر { موضوع } حكم عليه شيخنا
محدث زمانه الألباني في { ضعيف الجامع }[3]
..
ثم أن هذا القول ليس المُراد به
التشكيك كما فهمه بعض الناس ( ! ) إنما يُقصد به على عدم حفظهم لما بعد { عدنان } رغم أن كثير من العلماء كالبخاري وابن إسحاق في
{ السيرة } جواز الرفع ..
ثم نقول لمن يحتج بهذا الخبر في { البُعد الزمني } هل عدنان من إسماعيل ؟! .. سيقول لك
فوراً : نعم ، إذن لا مكان لشبهتك هُنا ، فبين عدنان وإسماعيل زمن طويل ، ومع ذلك
شَّهِدتَ بِأنَّ عدنان من إسماعيل ـ عليه السلام ـ ، فإن كان سلسلة النسب لم تُحفظ
ليس دليلاً على عدم حفظ الأصل ..
فعدم الحفظ لا يُقصد به التشكيك
والنفي ( ! ) كما قلنا آنفاً قبائل البادية اليوم الكثير منهم لا يحفظون سلسلة
أنسابهم إلى جذمهم القديم ولكن يشهد لهم كل العلماء في ثبوت نسبهم لذاك الجذم ..
ولو أخذنا بهذه القاعدة ( البعد الزمني ) لنسفنا
كل أنساب العرب اليوم ولم يبق عربياً واحداً..
والأشراف الصُرحاء اليوم في الحجاز
ومصر والأردن وغيرها من البلدان يشهد لهم كل العلماء في ثبوت نسبهم ، حيث تملكوا
الـ { استفاضة النظيفة والشهرة السليمة من النقض والجرح
والمخالفة } وغَرَّدت كل كتب النسب بتدوين أنسابهم وأخبارهم ، فانساب
الأشراف محفوظة ، ولهذا كل من زعم أنه هاشمياً زوراً كُشف بسرعة وذلك لأن كتب
النسب جمعت أنسابهم فمن لم يُذكر في هذه الكتب يُعرف أنه { دخيل ـ لفوفة ـ } .
ومن هذه الأسباب أن { المهدي } منهم ، فسارع العلماء وكذلك الأشراف أنفسهم
لتدوين أنسابهم ، فقد أدعى الكثير { المهدية }
وكُشف أمرهم وشُهر بهم ، فهذه الدولة العُبيدية اليهودية لحاً ، زعمت أنها علوية
النسب ( ؟ ) فانقض عليها العلماء وكشفوا زيفهم ، فلو لم تكن الأنساب محفوظة لجاز
للنطيحة والمتردية أن يدَّحش صُلبه في أي نسب شاء ( ! ) ولكن هيهات .. فالأنساب
محفوظة ..
بل أن الأنساب باقية حتى في يوم
القيامة ، فقد قال البغوي في { معالم التنزيل }[4]
: ( وفي رواية
عطاء عن ابن عباس : أنها الثانية فلا أنساب بينهم أي: لا يتفاخرون بالأنساب يومئذ
كما كانوا يتفاخرون في الدنيا، ولا يتساءلون سؤال تواصل كما كانوا يتساءلون في
الدنيا: من أنت ومن أي قبيلة أنت؟ ولم يرد أن الأنساب تنقطع.
فإن قيل: أليس قد جاء
في الحديث: "كل سبب ونسب ينقطع إلا
نسبي وسببي" .
قيل: معناه لا
يبقى يوم القيامة سبب ولا نسب إلا نسبه
وسببه، وهو الإيمان والقرآن.
فإن قيل: قد قال
هاهنا{ وَلا يَتَسَاءَلُونَ } وقال في موضع آخر: "وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون" (الصافات -27) .
الجواب: ما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن للقيامة أحوالا
ومواطن، ففي موطن يشتد عليهم الخوف، فيشغلهم عظم الأمر عن التساؤل فلا يتساءلون،
وفي موطن يفيقون إفاقة فيتساءلون .... ).
فالأنساب باقية حتى يوم القيامة
بمعنى : ( المعرفة ) ولا يحصل التساؤل بينهما في
الأنساب إلا على معرفة ، فيعلم أن ذاك ابن قبيلته وذاك من قبيلة كذا ، ولكن بلا
تفاخر كحالهم في الدنيا ، وكما قال حِبر الأمة ابن عباس هناك مواطن يشتد عليهم
الخوف فيشغلهم عظم الأمر عن التساؤل فلا يتساءلون وفي موطن يفيقون إفاقة ويتساءلون
.
وكَتَبه :
أحمد بن سُليمان بن صَباح أبو بكرة
التُرباني .
[1] ـ قد تراجع ابن جبرين عن هذا الكلام لكن أوردناه لأن بعض المُغرضين
لليوم ينشروا مثل هذه الشُبه ، فالشيخ ابن جبرين لا يقصد الطعن بخلاف أهل الشغب
فقصدهم الطعنُ والتَشكيك .