سميثٌ أفلْ وصويانٌ ظهر!

 


سميثٌ أفلْ وصويانٌ ظهر!



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين، ثم أما بعد:

لقد استمعت إلى مقابلة الدكتور سعد الصويان في برنامج " في الصورة " وكلامه حول أنساب القبائل العربية، وقد سأله المذيع الأستاذ المديفر عن أصل القبيلة ونسبتها إلى جد واحد، فأجاب الدكتور سعد الصويان قائلاً: ( يتظاهرون بأنهم عيال رجل واحد، وهذه ليست الحقيقة؛ والحقيقة أنهم ناس مختلفين جمعتهم المصلحة ).

قلت : أخرج الحافظ ابن حجر في " الإصابة " ( 4/53) وحسَّن إسناده، عن عبد الله بن حرملة t قال: قال رسول الله r : " خيركم الذّابُ عن قومه ما لم يأثم " والدفاع عن أنساب العرب وصيانتها من شُبه وآراء المستشرقين مطلب شرعي، وقد كثر في هذه الأيام التشكيك ورمي الشُبه في أنساب العرب من أبناء العرب ـ للأسف ـ قلدوا أهل الاستشراق بحجة اليقظة العلمية ـ الغفلة العلمية ـ في جهلهم وطعوناتهم في الركائز الثلاثة لهذه الأمة:

1ـ العقيدة الإسلامية.

2ـ اللغة العربية.

3ـ النسب.

فتفرقوا وانطلقوا إلى هذه الركائز العظيمة، فمنهم من قام بالتشكيك في الأحاديث النبوية، وذهبت فرقة أخرى إلى محاولة تهميش اللغة العربية واستبدالها بالعامية وصنعوا المعاجم لدسِّ سموهم فيها، وذهبت فرقة ثالثة إلى أنساب العرب للتشكيك فيها ومحاولة تمزيق القبيلة كما مزقوا بلداننا الإسلامية والعربية.

وكلامنا هنا على الفرقة الثالثة والتي جاءت لنشر الشُبه والتشكيك في أنساب العرب، وتبعهم على هذا الباطل ـ للأسف ـ بعض أبناء العرب، فأخذوا شُبهاتهم وطريقتهم وتناولوا فيها أنسابنا العربية، فجعلوا القبيلة عبارة عن تجمع بُني على المصالح والمنافع، وخالفوا في ذلك أقوال النبي r وما حفظته العرب وصانته، وتعدى الأمر إلى نسب النبي الأعظم r ولكن على حياء وخجل!

وكلام الدكتور سعد الصويان ـ هداه الله ـ ليس بجديد، بل هو مُقلدٌ للمستشرقين ومتبعاً لطريقتهم، وعلى رأسهم المستشرق سميث، فترك الدكتور سعد الصويان علماء العرب والذين هم أعلم وأحفظ لأنسابهم من الطير الغريب والذي لا تُعرف ملته الاعتناء في انسابهم والجهل بسلسلة آبائهم ـ الأدنى والأعلى ـ وهم أهل الاستشراق، قال البشير الإبراهيمي في " الآثار " ( 4/383): ( ولا أعتقد أن مستشرقاً غربياً ينبغ في العربية ولو ركب الصعب، وشرب في القعب، وأدعى الولاء في بني كعب ) ويا حسرة من جعلهم عمدته في الكلام على العرب، وترك سلفه من العربِ الذين فاقوا الأمم كلها علما وشرفاً، قال العلامة أحمد بن فارس القزويني في " الصاحبي في فقه اللغة " ( ص43): ( وللعرب حفظ الأنساب، وما يعلم أحد من الأمم عني بحفظ النسب عناية العرب، قال الله جل ثناؤه: " يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا " فهي آية ما عمل بمضمونها غيرهم ).

وإذا نظرنا إلى مؤلفات الدكتور سعد الصويان زاد العجب، خاصة إذا طالعنا كتابه " ملحمة التطور البشري " وقرأنا الأباطيل فيه، ونشره لأقوال الملاحدة في تطور البشر، دون نقد وتعليق بل بموافقة وتأييد، ونشر صورة القرد والسّعدان مع الإنسان، لم نستغرب من قوله هذا الذي قاله في حواره ببرنامج ( مع الصورة ).

ونعود إلى قول الدكتور سعد الصويان وبيان بطلانه:

 

أولاً: هل تتظاهر أُسرة الصويان الكريمة بأنها من آل زهير أو يُخيَّل لها ذلك؟! أم أنها تُستثنى من هذه النظرية؟!

ثانياً: هل كانت بطون قريش ـ هاشم، أمية، عدي، تيم، جُمح، مخزوم ... ـ  تتظاهر بأنها من قبيلة واحدة ومن صُلب رجل واحد؟ والحقيقة خلاف ذلك؟!

 قال النبي r : ( إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل، واصطفى قريشاً من كنانة، واصطفى من قريشٍ بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم ) فبين النبي الأعظم هذا التسلسل من الآباء إلى الأجداد، فكانت كنانة من صلب إسماعيل، وقريش من صُلب كنانة، سلسلة متصلة من صلب رجل واحد.

وهل كانت خُزاعة يُخيّل لها أو تتظاهر بأنها من صلب رجل واحد كما يزعم أهل الاستشراق الذي يسير على خطاهم الدكتور سعد الصويان؟! ونبينا r يقول ويؤكد بأنها من صلب رجل واحد: ( عمرو بن لحي بن قمعة بن خندف أبو خزاعة ).

وهل كانت عبد قيس تتظاهر بأنها من ربيعة، حين سألها النبي r قائلاً: ( من القوم؟ قالوا: ربيعة ) والنبي r يقرهم ولا يعترض على قولهم بأنهم من صُلب رجل واحد.

وهل كانت قبائل قحطان تتظاهر بأنها من صلب رجل واحد، والنبي r يُخبرنا بأنها من صُلب رجل واحد، كما في حديث ابن عباس t  قال: " إن رجلاً سأل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن سبأٍ: ما هو؟ أرجل أم امرأة أم أرض؟ فقال: بل هو رجل وَلَدَ عشرةً فسكن اليمن، باليمن منهم ستة وبالشام منهم أربعة، فأما اليمانيون: فمذحج وكندة والأزد والأشعريون وأنمار وحمير عرباً كُلها، وأما الشامية: فلخم وجُذامُ وعاملة وغسان ".

وقد نسب النبي r الحبشة إلى جدهم أرفدة بقوله لعمر بن الخطاب t: ( دع بني أرفدة ) فجعلهم من صُلب رجل واحد، فهل كان هؤلاء كلهم يتظاهرون ويُخيّل لهم بأنهم من صُلب رجل واحد وجاء سميث ونلدكه وغيرهم واكتشفوا أن العرب شتات وخليط من كُل قُطر أغنية اجتمعوا تحت مسميات قبلية لمصالح ومنافع؟!

 

ثالثاً: مقصد الاستشراق هو الطعن في أنساب العرب، ولو لاحقناهم وسألناهم عن المصطلح الذي أحدثوه ( السامية ) ـ ولد سام ـ لماذا هنا جعلتم السامية رغم كثرتهم الهائلة بأنهم من صُلب رجل واحد، لماذا لا يكونون عبارة عن تجمع سامي والأصل أنهم من أولاد حام وأولاد يافث؟ أم لأنه يخالف " سفر التكوين " عندهم يرفضون هذا التشتيت؟ أما عند ولد عدنان وقحطان خير الأجناس بالإجماع تجعلونهم شتات ؟!

 

رابعاً: رأينا الدكتور سعد الصويان في كتابه " ملحمة التطور البشري " قد شحن كتابه بأقوال أهل الاستشراق ونظرياتهم الخبيثة دون نقد وتعليق بل بموافقة وتأييد، ونشر صورة الإنسان بجانب القرد والسّعدان والفأرة بجانب الخفّاش، لتبيان التطور السيئ المخالف للقرآن، قال الرب سبحانه: " لقد خلقنا الإنسان في أحسّن تقويم " وقال: " ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا " فقد كرم الله الإنسان عن الحيوان في الخِّلقِ والخُلق.

فالدكتور سعد الصويان عند القبيلة جعلها من عدة آباء وأنها تتظاهر بأنها من صلب رجل واحد، لكن عند القرد والسعدان والإنسان لا يتورع بنقل أقوال الملاحدة في تطور الإنسان من السعدان ولا ينتقد هذا الإجرام بحق الإنسان الذي كرمه الله بل شحن كتابه بالصور والأقوال، نسأل الله السلامة.


 



خامساً: أن دعوى الأحلاف عكازة أهل الجهل، فالحلف موجود ومحفوظ ـ ولله الحمد ـ ولا ينقلون ذلك إلا من كتب أهل النسب لحفظهم هذه الأحلاف، ولكنهم يقفزون عن حفظهم لها، لأنها تهدم توجهاتهم الفاسدة؛ لأن كل قبيلة فيها أحلاف ولكن انسابهم محفوظة ـ بدء الدخول وأسبابه ـ وكتب الأنساب مليئة في بيان الأحلاف وتمييزهم عن الصميم، ولم نر من علماء الإسلام قال بقول الدكتور سعد الصويان بأن القبيلة عبارة عن تجمع لمصلحة ومنفعة.

وقول الدكتور سعد الصويان عن بعض الناس قولهم: ( فلان لا تأخذ علمه تراه ماهو منا ) حجة عليه وليست له، فهذا إن صح قول ذاك الرجل ـ بالعلم والحجة الشرعية ـ دليلا على حفظهم وصيانتهم لأنساب قبائلهم، ولكنهم يتجاهلون هذا التمييز والتنخيل.

فالقبيلة الأصل أنها من صلب رجل واحد، يدخلها أحلاف لأسباب، يُعلم ذلك عند القبيلة نفسها وعند علماء النسب ويبينون ذلك حفاظا على نسب القبيلة.

وقد كتبنا المقالات في الرد على شُبهة التعلق بمسألة الأحلاف وبينا فساد فهمهم وطريقتهم، راجعها في موقعنا للفائدة.

ومن أراد التفصيل والفائدة في رد أباطيل المستشرقين وخبثهم في دعوى أن القبيلة العربية ليست من صُلب رجل واحد، عليه الرجوع إلى كتابنا " تنبيه الأنام إلى المغالطات النسّبية الواردة في كتاب المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام " ففيه ـ ولله الحمد ـ الرد على جميع هذه الشُبه التي ينشرونها عن أنساب العرب ومنها قول الدكتور سعد الصويان الذي أخذه عن أهل الاستشراق.


وكتبه:

أحمد أبوبكرة التُرباني

الأردن ـ جرش

5ـ جمادى الآخرة ـ 1443للهجرة