الجواب عن قول الشيخ حمد الجاسر ـ رحمه الله ـ: ( الأنساب خرافة الخرافات )!!



طلب مني أحد الأخوة الجواب عن كلام الشيخ حمد الجاسر ـ رحمه الله ـ  والذي نشر في مقابلة قديمة، جاء فيها: ( وإذا كان بعض الباحثين يقول عن التاريخ أنه خرافة، فالأنساب هي خرافة الخرافات، هذا ما وصلت إليه، وأنا درست أو ألفت في هذا العلم من قبيل الحفاظ على مأثورات شعبية ...).

الجواب:

أمر الله عز وجل بالتعارف حيث قال: ( وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا ) قال الحافظ ابن عبد البر في " الإنباه " ( ص45): ( وفي قول الله تعالى: " وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا " دليل واضح على تعلم الأنساب ) وأمر نبينا ـ صلى الله عليه وسلم ـ بتعلم النسب، حيث قال: ( تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم ).

قال الحافظ النسّابة الرُشاطي كما في " الزهر الباسم " (1/236) لمغلطاي: ( والحض على معرفة الأنساب ثابت بالكتاب والسنة وإجماع الأمة ) وقد اشتغل السلف من الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ والتابعين ومن تبعهم بعلم النسب، قال الحافظ ابن حزم في " الجمهرة " (7): ( كان أبو الجهم بن حذيفة العدوي، وجبير بن مطعم بن عدي بن نوفل بن عبدمناف، من أعلم الناس بالأنساب، وكان عمر، وعثمان، وعلي، به علماء ـ رضي الله عنهم ـ ) وقال البخاري في " التاريخ الكبير " (5/36): ( ابن شهاب كان يجالس عبدالله بن ثعلبة؛ ليتعلم منه الأنساب ).

وما كان ـ رضي الله عنهم ـ علمهم مبني على الخرافات، وإنما كان علمهم بالأنساب مبني على أصوله الصحيحة.

فالأنساب موقوفة على: ( النقل والسماع ) النقل عن أهل الضبط والعلم، والسّماع عن أهل الضبط والعلم، فجاءت لنا الأنساب مضبوطة؛ لأنها بنيت على قواعدها وأصولها.

قال النسابة ابن الجواني في " مختصر الكلام " ( ص7): ( فإن هذا العلم ليس يجري بين الناس بالقياس، وإنما هو بالخلف عن السلف من أهل الحفظ والإتقان والدراية) .

وإذا كانت الأنساب مبنية على أقوال العوام ممن ليسوا من أهل الضبط والعلم، كانت أقوالهم غير منضبطة ومتناقضة ومضطربة فتنتج لنا الأقوال الباطلة والخرافات.

وليس هذا منحصر في علم النسب، بل هو عام في كل العلوم، إذا كانت مبنية على أقوال العوام والجهلة ممن ليسوا من أهل الضبط والعلم، قال أبو الطيب اللغوي في " مراتب النحويين " ( ص3): ( واعلم أن أكثر آفات الناس الرؤساء الجهال والصدور الضلال، وهذه فتنة الناس على قديم الأيام وغابر الأزمان فكيف بعصرنا هذا وقد وصلنا إلى كدر الكدر وانتهينا إلى عكر العكر وأخذ هذا العلم عمن لا يعلم ولا يحس ولا يفقه، ولا يحسن يفهم الناس ما لا يفهم ويعلمهم عن نفسه وهو لا يعلم يتقلد كل علم ويدعيه ويركب كل إفك ويحكيه ويجهل ويرى نفسه عالماً ويعيب من كان من العيب سالما ) .

فإذا كان النسب مأخوذ من غير أهل العلم والضبط كثر فيه الجهل والخرافات، وأما إذا كان مأخوذ عن أهل الضبط والعلم الذين عرفوا قواعد العلم وأصوله جاء صافياً وسالماً من الجهل والخرافات.

وتطبيق قواعد وأصول علم النسب يصون للناس أنسابهم ويحفظها من الطعن والغمز، ويُقلل المشاكل التي نراها اليوم وتنضبط الأقوال، وأما عدم تطبيقها فهذا مما يُنتج لنا الخرافات والمشاكل ونزعات الجاهلية.

ولعل الجاسر ـ رحمه الله ـ لما كان ينقل أقوال العوام الخالية من العلم والضبط، قاده لقول: " الأنساب خرافة الخرافات " وهو تعميم باطل، فلو قيد عبارته بهذا القيد في أخذ الأنساب عن غير أهل العلم والضبط، لكان كلامه حق، وأما التعميم فهذا باطل، وما سلمت لنا الأنساب وتعطلت الأحكام وحار الجميع.

إذ كيف سلم نسب الجاسر ـ رحمه الله ـ إلا بالأقوال المنضبطة عن أهل العلم والضبط، ولو كانت خرافة لجاز له أن ينتسب إلى الأنساب التي يختارها طالما هي غير مقيدة بالقواعد وكانت خرافة الخرافات!

وقول الجاسر ـ رحمه الله ـ يتناقله نابتة من دعاة الحمض النووي ممن لا يعرفون بعلم ليسقطوا هذا العلم الشريف الذي هو من خصائص هذه الأمة العظيمة ويُعيدوا أقوال الشعوبية من أبناء مزدك والعيص ليشتتوا قبائل العرب والطعن في أنسابهم وجعلها قائمة على الخرافات وهذا ـ والله ـ هو الشر بعينه.

فكلام الجاسر ـ رحمه الله ـ زلة لا يتابع عليها وهو قول باطل يخالف ما عليه السلف من المتقدمين والمتأخرين.

وكتبه:
أبوسهل أحمد أبوبكرة الترباني