( القول المُنصف في توثيق الهمداني في أنساب اليمن والرد على القول المُجحف )
للنسابة أحمد أبوبكرة الترباني .
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وعلى آله وصحبه أجمعين ، وبعد :
لقد دفعني لكتابة هذه المقالة جناية بعض دُعاة النسب الأنصاري لقبيلة حرب الخولانية على النسابة الهمداني ـ رحمه الله ـ وهؤلاء لا يُعرف عنهم الدراية والمعرفة بأصول علم النسب ونقد الأقوال وتمحيصها على منهج أهل الحديث ، وإنما حالهم كحال ( الحسن بن صافي ) والذي قال فيهِ ابنُ الشجري في ( الأمالي ) ( 1/ 452 ) : ( ولا يؤثر عنه أنه قرأ مصنفاً في النحو إلا مقدمة من تأليف عبد القادر الجرجاني ، قيل : أنها لا تبلغُ أن تكون في عشرِ أوراق ، وقيل : إنهُ لا يملكُ من كتب النحوِ واللغة ما مقدارهُ عشر أوراقٍ ، وهو مع ذلك يردُّ بقحتهِ على الخليل وسيبويه !! إنها لوصمةٌ اتسم بها زماننا هذا لا يبيدُ عارُها ولا ينقضي شنارُها ... ) .
وهؤلاء لا يؤثر عنهم أنهم درسوا أو تأصلوا في علم الأنساب ، ثم تجدهم يتكلمون في أنساب الأنصار وهم يجهلون مسمى الأنصار ومعالم الكلام في أنسابهم ، ولم يكتفِ هؤلاء حتى تطاولوا على العلماء بدافع الهوى والتعصب وهم ليسوا من أهل النقد أصلاً ، ومحاولة إسقاط حُجية كلام الهمداني في أنساب اليمن ، ليتسنى لهم نسبة قبيلة حَرب للأنصار بالجهل والعباطة ، وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية في ( المجموع ) ( 27/ 392 ) : ( وبحسب قلة علم الرجل يضله الشيطان ) وقد أضل هؤلاء الشيطان وقادهم لاتهام النسابة الهمداني بالباطل وادعاء النسب الأنصاري والذي لا يُعرف لهم عند العلماء المتقدمين والمتأخرين ، ولأن النسابة الهمداني كان عقبة في وجه هؤلاء أرادوا طَرح أقواله وضرب عدالته وتجهيله وتكذيبه ، ومتى عُرف السبب بَطُل العجب (!) .
وفي هذه المقالة بينت بُطلان كلام الزيدي الإمام شرف الدين واتهامه الباطل للنسابة الهمداني وكذلك بينت مُجازفة الشيخ ابن عقيل الظاهري وتحامله على النسابة الهمداني نُصرة لابن حزم الظاهري وتجاهل أقوال الثقات في الهمداني ، ولم أتوسع في هذه المقالة وذكر أقوال العلماء الذين أثنوا على الهمداني ، وإنما اكتفيت ببعض أقوال أشهر علماء النسب والرجال من أهل الحديث في توثيق النسابة الهمداني في أنساب اليمن .
وأما تلك الفئة التي تنشط على موقع ( تويتر ) والذين ما تركوا مثلبة إلا وجروها على النسابة الهمداني ـ رحمه الله ـ حتى يتسنى لهم ركوب النسب الأنصاري بالباطل ، فقد أفردت فيهم رسالة باسم ( الإنكار على من أساء فهم معاني الآثار وعبث في نسب الأنصار ) بينت فيها للعقلاء جهل هذه الفئة وبُعدهم عن المهيع العلمي .
وقد جعلت مقالتي هذه على هذا النحو :
1ـ الهمداني عُمدة عند أهل الحديث في أنساب اليمن .
2ـ المنهج العلمي في أقوال الهمداني النسبية والتاريخية .
3ـ وقفة مع الشيخ ابن عقيل الظاهري .
4ـ وقفة مع كلام الإمام شرف الدين وغيره حول الهمداني .
ونسأل الله أن يكتب لنا الأجر في هذه الأيام الفضيلة في الذب عن أعراض العلماء ولزوم كلام أهل الحديث ، ونشرع في المقال :
( الهمداني عُمدة عند أهل الحديث في أنساب اليمن )
قال أحمد أبوبكرة الترباني : أثنى علماء الحديث على النسابة الهمداني واحتجوا بكلامه في أنساب أهل اليمن ، ومن هؤلاء العلماء الثقات :
1ـ العلامة الحافظ النسابة عبد الغني الأزدي ( ت 409 هـ ) .
قال العلامة عبد الغني الأزدي عن الهمداني : (عليه المعول في أنساب الحميريين ) وهذه تزكية إمام ناقد للهمداني في أنساب أهل اليمن .
والحافظ النسابة عبد الغني نسابة حُجة من أهل النقد ، قال فيه الحافظ الذهبي في ( السير ) ( 17 / 268 ) : ( الإمام الحافظ الحجة النسابة محدث الديار المصرية ) .
وقول المحدث النسابة عبد الغني الأزدي ( عليه المعول في أنساب الحميريين ) يقصد بذلك أنساب اليمن عامة ،لأنهم يقصدون بذلك كتابه ( الإكليل في أنساب اليمن وحمير ) ونقل أهل الحديث أنساب اليمن من هذا الكتاب .
2ـ العلامة الحافظ النسابة الرشاطي ( ت 542هـ ) .
قال العلامة النسابة الرشاطي في ( اقتباس الأنوار ـ مخطوط ـ ص 178) : ( والهمداني في نسب حمير يُتبع ؛ لأنه اعتنى به اعتناء كثيرا والله أعلم ) .
وقال أيضاً ( اقتباس الأنوار ـ مخطوط ـ ص 205 ) بعدما قدم قول الهمداني على قول ابن الكلبي في نسب يافع : ( والهمداني أشد اعتناء بانساب حمير والله أعلم ) .
وقال أيضا عند الكلام على " الثابتي " : ( والنفس إلى قول الهمداني أميل والله أعلم ) .
قال أحمد أبوبكرة الترباني : وهذه تزكيات كبيرة من الحافظ النسابة المتقن الرشاطي ، وقد اعتمد الحافظ النسابة الرشاطي كثيراً على أقوال الهمداني في أنساب اليمن في غالب كتابه ( اقتباس الأنوار ـ مخطوط ـ ) ، والرشاطي نسابة متقن ومن أهل النقد ولو كان الهمداني كذاباً كما يزعم البعض لتركه ولم يعتمد على أقواله في أكثر كتابه عن أنساب أهل اليمن ، وقد قال الحافظ الذهبي فيه في ( السير ) ( 20 / 175 ) : ( الشيخ الإمام المتقن النسابة أبو محمد عبد الله بن علي بن عبد الله بن أحمد اللخمي الأندلسي المريي الرشاطي ) .
وحتى أن الحافظ ابن حجر العسقلاني اعتمد على نقل الحافظ النسابة الرشاطي عن النسابة الهمداني في أنساب اليمن ، وهذه بعض نقولاته :
• قال الحافظ ابن حجر في ( تبصير المنتبه ) (2/ 317 ) : ( وأما الرشاطي فنقل عن الهمداني أن مقرئ بن سبيع بن الحارث بن مالك بن زيد بطن من حمير ) .
• قال الحافظ ابن حجر في ( تبصير المنتبه ) ( 2/750 ): ( ... حكى عنه الهمداني في كتاب نسب حمير خبراً ذكره الرشاطي ) .
• قال الحافظ ابن حجر في (الإصابة ) ( 5/ 89 ) : ( وقد ذكر الرشاطي عن الهمداني أن معاوية كان مستشرفا لأخبار حمير ... ) .
• قال الحافظ ابن حجر في (الإصابة ) ( 7 / 206 ) : ( ذكر الرشاطي عن الهمداني في أنساب حمير أنه وفد على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وقُتل مع علي بصفين ... ) .
وكتاب ( اقتباس الأنوار ) للنسابة الحافظ الرشاطي ، قال فيه ابن الأبار في ( معجم أصحاب الصدفي ) ( 218 ) : ( لم يُسبق إلى مثله واستعمله الناس ) واستعمال الناس له ، أي : جعلوه مرجعاً لهم ، وهل يُعقل أن يجعلوا كتاباً اعتمد على كذاب وسّراق ومُلفق للأخبار مرجعاً لهم في الأنساب ؟!! حاشا وكلا .
وقال المقري في الحافظ النسابة الرشاطي كما في ( نفح الطيب ) ( 4/462 ) : ( وكانت له عناية كبيرة بالحديث والرجال والرواة والتواريخ وهو صاحب كتاب " اقتباس الأنوار والتماس الأزهار في أنساب الصحابة ورواة الآثار " أخذه الناس عنه وأحسن فيه وجمع وما قصر ... ) .
3ـ الحافظ الناقد ابن حجر العسقلاني ( 852 هـ ) .
اعتمد الحافظ ابن حجر العسقلاني كثيراً على أقوال الهمداني في أنساب اليمن في مؤلفاته ( تبصير المنتبه ) و ( الإصابة ) و ( فتح الباري ) ولا يعتمد الحافظ الناقد ابن حجر العسقلاني على كذاب مُلفق للأخبار جاهلٌ في الأنساب كما يزعم بعضهم (؟) وإنما اعتمد عليه لمعرفته التامة في أنساب اليمن وتوثيق أهل الحديث له ، ونذكر بعض نقولات الحافظ عن النسابة الهمداني .
• قال الحافظ ابن حجر في ( فتح الباري ) ( 6 / 539 ) : ( وأجاب الهمداني النسابة عن ذلك ... ) .
• قال الحافظ ابن حجر في ( الإصابة ) ( 5 / 383 ) : ( ذكر الهمداني في أنساب حمير ، وقال : قال علماء حمير : خرج قيس بن نمط في الجاهلية حاجاً ... ) .
• قال الحافظ ابن حجر في ( الإصابة ) ( 5 / 104 ) : ( ذكره الهمداني في الأنساب ، وقال : كان مخضرماً ؛ ذكره عنه الرشاطي ) .
• قال الحافظ ابن حجر في ( تبصير المنتبه ) (2/ 317 ) : ( وأما الرشاطي فنقل عن الهمداني أن مقرئ بن سبيع بن الحارث بن مالك بن زيد بطن من حمير ) .
• قال الحافظ ابن حجر في ( تبصير المنتبه ) ( 2/750 ): : ( ... حكى عنه الهمداني في كتاب نسب حمير خبراً ذكره الرشاطي ) .
• قال الحافظ ابن حجر في (الإصابة ) ( 5/ 89 ) : ( وقد ذكر الرشاطي عن الهمداني أن معاوية كان مستشرفا لأخبار حمير ... ) .
• قال الحافظ ابن حجر في (الإصابة ) ( 7 / 206 ) : ( ذكر الرشاطي عن الهمداني في أنساب حمير أنه وفد على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وقُتل مع علي بصفين ... ) .
قال أحمد أبوبكرة الترباني : والحافظ ابن حجر العسقلاني من أهل النقد وصاحب بصيرة في الرجال ونقد المصادر وحيطته وتدقيقه في المسائل والمصادر مشهورة ومعروفة ، فلا يعتمد أنساب اليمن على كذاب وإنما يعتمد على من وثقه أهل العلم في فنه .
وقد اعتمد أقوال الهمداني في أنساب اليمن كثير من علماء الإسلام ، من أمثال ( الحافظ ابن كثير ، والعلامة العيني صاحب ( عمدة القاري ) ... ) وغيرهم الكثير .
( المنهج العلمي في أقوال الهمداني النسبية والتاريخية )
قد لخصت المنهج العلمي في الأخذ بأقوال الهمداني في الأنساب أو في المسائل التاريخية ، وهو كالتالي :
1ـ أقوال الهمداني في المسائل التي يترتب عليها ( مدح أو ذم ) :
قال أحمد أبوبكرة الترباني : وهذا القيد ليس خاصاً بالنسابة الهمداني بل هو قيد عام في الأخبار التي يترتب عليها ( مدح وذم ) والتي ينقلها أهل الأخبار والنسب ، فإذا كان الخبر يترتب عليه مدح أو ذم في الأشخاص ، فهنا نُنزل قواعد الجرح والتعديل على هذه الأخبار ، ليتبين لنا صحة الخبر أو الحكم بتضعيفه .
2ـ أقوال الهمداني في أنساب أهل اليمن :
قال أحمد أبوبكرة الترباني : إذا كانت أقوال الهمداني تتعلق بأنساب اليمن فهو مُتبع وحجة في هذا الباب ؛ لأنه صاحب اختصاص في هذا المجال ووثقه كبار أهل النسب من أهل الحديث واعتمدوا على أقواله النسبية ، وعلى رأسهم الحافظ النسابة عبد الغني الأزدي والحافظ النسابة الرشاطي والحافظ الناقد ابن حجر العسقلاني ، ولا يجوز دفع قوله في هذا الباب إلا بالحجة الصريحة وليس بالأقوال الموهمة والباردة كما يصنع كثير من أدعياء معرفة النسب في هذا الزمان .
3ـ أقوال الهمداني في أنساب العدنانيين :
قال أحمد أبوبكرة الترباني : إذا كانت أقوال الهمداني تتعلق بأنساب القبائل العدنانية ، فيقدم غيره ؛ لأنه ليس بصاحب خبرة في أنساب القبائل العدنانية ، ولم أر أهل الحديث اعتمدوا عليه في هذا الباب كما اعتمدوا عليه في أنساب اليمن .
( وقفة مع الشيخ ابن عقيل الظاهري ـ غفر الله له ـ )
لقد جازف الشيخ ابن عقيل الظاهري ـ عفا الله عنه ـ في ضرب النسابة الهمداني بالاتهامات الباطلة في كثير من مقالاته المنشورة بأنه : ( كذاب ومزور وملفق وصاحب أساطير وخيال ... ) وأنه يُحيل إلى أساطير (!! ) وقال أيضاً : ( إن الهمداني بعرف المحدثين كذاب وضاع ) (!) وهذا في عُرفه فقط لا عُرف أهل الحديث ، وغير ذلك من الأقوال التي لا يلتفت لها أهل العلم والإنصاف ، ولعل هذا النفس الشديد من الشيخ ابن عقيل الظاهري سببه مخالفة الهمداني لابن حزم الظاهري في نسب قبيلة حرب .
وقد تعجبت من تناقض الشيخ ابن عقيل الظاهري ـ غفر الله له ـ عندما قرأت له مقالة عن كتاب الحافظ النسابة الرشاطي ( اقتباس الأنوار ) ( مجلة العرب / ج11و12س17 ـ 1403هـ ) حيث قال : ( ورأيت ميزة كتاب الرشاطي على كتب الأنساب تتلخص في التالي :
1ـ أن الرشاطي يتكلم عن الأعلام تعديلاً وتجريحاً ويسوق شيئاً من أخبارهم ، وهذا ما يجعله كتاباً حافلاً في التراجم بعيداً عن جفاف كتب الأنساب التي هي مجرد معلومات ( ببلوجرافية ) .
2ـ أن الرشاطي يبوب في كتابه لأسماء الأعلام ويتحدث عن أخبارهم في المواضع التي يوفق فيها اسم العلم اسم أبي القبيلة ، بينما كتب الأنساب تعتني بآخر اسم العلم الذي ترد فيه ياء النسب .
3ـ أن الرشاطي ومختصره يتوسعان في التعريف بالقبائل والبلدان ؛ فهو بهذا كتاب حافل في الأنساب والبلدان ، بخلاف كتب أنساب الأعلام التي تقف عند المشهور ولا تتعمق ... ) اهـ .
وقال ابن عقيل الظاهري أيضاً : ( لا تفوتني الإشارة إلى أن كتاب الرشاطي ومختصريه مرجع في توثيق الرواة ... ) .
قال أحمد أبوبكرة الترباني : الشيخ ابن عقيل الظاهري يمتدح كتاب الحافظ النسابة الرشاطي ويُثني عليه وعلى منهجه وأنه من أهل الجرح والتعديل وكتاب حافل في الأنساب ومرجع في توثيق الرواة .
وطالما أن النسابة المتقن الرشاطي ( مرجع في توثيق الرواة ) عند ابن عقيل ، فلماذا يتهم من وثقه النسابة الرشاطي بالكذب والتزوير والتلفيق ؟!!
وقد سبق ونقلنا كلام الحافظ النسابة الرشاطي في حق النسابة الهمداني حيث قال في ( اقتباس الأنوار ـ مخطوط ـ ) : ( والهمداني في نسب حمير يُتبع ؛ لأنه اعتنى به اعتناء كثيرا والله أعلم ) واعتمد عليه كثيراً في كتابه ، وكان الأولى بالشيخ ابن عقيل الظاهري أن يتبع كلام الحافظ النسابة الرشاطي في الثناء على النسابة الهمداني ، وأن يلزم كلامهم ولا يخالفهم على رأسه فهم أعلم وأخبر بالرجال منه .
ونقول للشيخ ابن عقيل الظاهري ـ عفا الله عنه ـ هل الحافظ النسابة المُتقن الرشاطي يعتمد على أهل الكذب والتزوير والأساطير في كتابه ( اقتباس الأنوار ) ويَعتمد عليه في أنساب اليمن ؟!! وهل أنت أبصر في الرجال والأنساب من الرشاطي الذي قال فيه ذهبي عصره في ( السير ) : ( الشيخ الإمام المتقن النسابة أبو محمد عبد الله بن علي بن عبد الله بن أحمد اللخمي الأندلسي المريي الرشاطي ) ؟!! أو من الحافظ المحدث النسابة عبد الغني الأزدي والذي قال فيه الذهبي : (الإمام الحافظ الحجة النسابة ) ؟؟ أو من الحافظ الناقد صاحب الفتح ابن حجر العسقلاني ؟؟!! لا والله .
فالحافظ النسابة المتقن الرشاطي بصير في الرجال ولا ينقل عن كذاب مزور وكذا الحافظ الحجة النسابة عبد الغني الأزدي ، وأنظر أخي القارئ إلى توثيق الحافظ النسابة الرشاطي للنسابة الهمداني بأنه ( يُتبع ) وقول الحافظ النسابة عبد الغني الأزدي بأن الهمداني ( عليه المعول ) وبين مجازفات ابن عقيل في مخالفة نسابة أهل الحديث واتهامه الباطل للهمداني بأنه ( كذاب ) .
وقال ابن عقيل الظاهري في مقالة له نشرها في جريدة ( الجزيرة ـ 25 / شوال 1414هـ ) : ( وشهادة بعض العلماء لا سيما شهادة من هم بعيدون عن الجزيرة في الأندلس ، مثلاً بأنه عليم بالأنساب حجة في أنساب حمير ، لا يعني أنه ثقة وإنما يعني علمه بالأنساب وهذا لا شك فيه ، ولولا علمه بالأنساب ما استطاع التزييف والتضليل ... ) (!) .
قال أحمد أبوبكرة الترباني : هذا الكلام من ابن عقيل قائمٌ قاعد ولا يُلتفت له ، فكيف يكون حُجة في أنساب حمير ولا يؤخذ عنه أنساب حمير لتزييفه وتضليله وأنه ليس ثقة في أنساب حمير ؟!! ايش هذا التناقض ؟! ولا نعلم من يقصده ابن عقيل بقوله : ( من هم بعيدون عن الجزيرة في الأندلس ) (؟) أيقصد من قال فيه ابن عقيل أنه ( مرجع في توثيق الرواة ) ؟ ويريد رد توثيقه ولكن على استحياء ؟!! والعجيب أن ابن عقيل ـ عفا الله عنه ـ يسرف في جرح الهمداني ويضرب بتوثيق العلماء له عرض الحائط ولا سلف له في ذلك من علماء الحديث ، وإنما قاده ذلك نصرة لشيخه الظاهري ابن حزم لمخالفة النسابة الهمداني له في نسب حرب !! .
ثم أليس ابن حزم بعيد عن الجزيرة وفي الأندلس ؟!! ومع ذلك تأخذ كلامه حُجة في نسب حرب وتترك كلام من هو أعلم وأوثق في أنساب اليمن (!) فلعل حُب ابن حزم والتعصب له غَلب عليه وأفقده العدل و الإنصاف ولزوم كلام كبار أهل النسب من علماء الحديث ، وابن عقيل الظاهري ـ عفا الله عنه ـ فيه هذا النفس كما وصفه العلامة السلفي الشيخ حمود التويجري ـ رحمه الله ـ في كتابه ( الرد الجميل على ابن عقيل ) .
فالنسابة الهمداني كما أسلفنا ثقة عند أهل الحديث في الأنساب وقالوا فيه : ( يُتبع ) و (عليه المعول ) من ألفاظ التوثيق والتزكية ومن وثقه وزكاه أهل العلم ومن كبار رجالات الحديث والنسب ، وأما اتهام ابن عقيل للهمداني بأنه صاحب : ( تزييف وتضليل ) فهل غفل أهل الحديث عن هذا التزييف والتضليل واعتمدوا عليه ووثقوه في علمه ؟!! وهل أنت أعلم وأخبر في الرجال والأنساب من الحافظ عبد الغني الأزدي والحافظ الرشاطي وابن حجر العسقلاني وغيرهم ؟!!
ونقول في الشيخ ابن عقيل الظاهري في كلامه عن النسابة الهمداني ـ غفر الله له ـ كما قال الذهبي في ( السير ) ( 15/ 524 ) : ( هذا يدلُ على زعارة السليماني وغلظته ، الله يسامحه ) وقال الذهبي أيضاً في ( الميزان ) ( 2/66 ) في ترجمة الزبير بن بكار : ( الإمام صاحب النسب ، قاضي مكة ، ثقة من أوعية العلم ، لا يلتفت إلى قول أحمد بن علي السُليماني ، حيث ذكره في عداد من يضع الحديث ) .
ولهذا فأنظر أخي القارئ إلى أقوال أهل الإنصاف من أهل الحديث والنسب كـ ( الحافظ النسابة عبد الغني الأزدي والحافظ النسابة الرشاطي ) في النسابة الهمداني وبين القول المُجحف الذي قاله فيه ابن عقيل الظاهري ـ سامحه الله ـ .
( وقفة مع كلام الإمام شرف الدين وغيره حول الهمداني )
قال الإمام شرف الدين ( ت 965هـ ) : ( أنه ـ أي الهمداني ـ كان مشهوراً بالكذب في الأنساب مع معرفته بها ، وكان يأخذ على الكذب فيها مالاً ) .
قال أحمد أبوبكرة الترباني : لا عبرة بجرح الإمام شرف الدين ، فهو ( كذاب ) كما قال فيه شيخنا علامة اليمن مقبل بن هادي الوادعي في كتابه ( صعقة الزلزال لنسف أباطيل الرفض والاعتزال ) ( 1/ 298 ) : ( كذاب أشر ) وافترى على كثير من أهل العلم ومنهم ( الإمام العلامة ابن الوزير ) صاحب كتاب ( العواصم والقواصم ) والذي دكَّ فيه حصون الزيدية ، وقال القاضي إسماعيل الأكوع في ( هجر العلم ومعاقله ) ( 3/ 1321 ) : ( كان الإمام شرف الدين شديد الوطأة على غير أهل مذهبه ، فقد هاجم في شرح مقدمة كتابه ( الأثمار ) الحسن بن أحمد الهمداني صاحب " الإكليل " ونشوان بن سعيد الحميري ... ) ثم كيف عَرف هذا الكذاب أن النسابة الهمداني كان يأخذ على الأنساب مالاً ؟؟ وهو من أهل القرن العاشر لا عاصره ولا قارب زمانه !!
وكيف يأخذ أدعياء النسب الأنصاري وغيرهم كلام هذا الكذاب في النسابة الهمداني ويتركوا كلام أئمة أهل الحديث من علماء السنة في توثيق النسابة الهمداني ؟!! إنه الهوى والجهل وتضليل الشيطان لهم .
وأما كلام يحيى بن الحسين صاحب ( طبقات الزيدية ) في الهمداني فهو كلام مردود ؛ لأنه اعتمد على كلام الإمام شرف الدين والذي قال فيه إمام اليمن مقبل بن هادي الوادعي في ( صعقة الزلزال ) : ( كذاب أشر ) وكذا كلام أحمد بن صالح بن أبي الرجال وهو مردود لا يُلتف له ؛ لأن كل أقوالهم أخذوها من الإمام شرف الدين (!) وأما جرح المعاصرين وعلى رأسهم ابن عقيل الظاهري والذي تحامل على الهمداني جداً فلا يُلتفت لقوله ، وقد سبق وبينا تناقض ابن عقيل الظاهري وأنه قد جازف في كلامه عن النسابة الهمداني ، وما أجمل كلام الحافظ الذهبي في ( السير ) ( 8/448 ) : ( فمن الذي يسلم من ألسنة الناس ، لكن إذا ثبتت إمامة الرجل وفضله ، لم يضره ما قيل فيه ، وإنما الكلام في العلماء مفتقر إلى وزنٍ بالعدل والورع ) وإمامة الهمداني في أنساب اليمن ثابته بكلام الإمام العلامة الحجة عبد الغني الأزدي وكلام الحافظ الرشاطي والحافظ الثبت ابن حجر العسقلاني فلا يزعزعها كلام الكذاب الإمام شرف الدين وغيره .
هذا ما أردت تبيان في مسألة النسابة الهمداني وهو كافٍ ـ إن شاء الله ـ لمن يستمعون القول ويتبعون أحسنه .
وكتبه :
أحمد بن سليمان بن صباح أبوبكرة الترباني
الأردن ـ جرش
للنسابة أحمد أبوبكرة الترباني .
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وعلى آله وصحبه أجمعين ، وبعد :
لقد دفعني لكتابة هذه المقالة جناية بعض دُعاة النسب الأنصاري لقبيلة حرب الخولانية على النسابة الهمداني ـ رحمه الله ـ وهؤلاء لا يُعرف عنهم الدراية والمعرفة بأصول علم النسب ونقد الأقوال وتمحيصها على منهج أهل الحديث ، وإنما حالهم كحال ( الحسن بن صافي ) والذي قال فيهِ ابنُ الشجري في ( الأمالي ) ( 1/ 452 ) : ( ولا يؤثر عنه أنه قرأ مصنفاً في النحو إلا مقدمة من تأليف عبد القادر الجرجاني ، قيل : أنها لا تبلغُ أن تكون في عشرِ أوراق ، وقيل : إنهُ لا يملكُ من كتب النحوِ واللغة ما مقدارهُ عشر أوراقٍ ، وهو مع ذلك يردُّ بقحتهِ على الخليل وسيبويه !! إنها لوصمةٌ اتسم بها زماننا هذا لا يبيدُ عارُها ولا ينقضي شنارُها ... ) .
وهؤلاء لا يؤثر عنهم أنهم درسوا أو تأصلوا في علم الأنساب ، ثم تجدهم يتكلمون في أنساب الأنصار وهم يجهلون مسمى الأنصار ومعالم الكلام في أنسابهم ، ولم يكتفِ هؤلاء حتى تطاولوا على العلماء بدافع الهوى والتعصب وهم ليسوا من أهل النقد أصلاً ، ومحاولة إسقاط حُجية كلام الهمداني في أنساب اليمن ، ليتسنى لهم نسبة قبيلة حَرب للأنصار بالجهل والعباطة ، وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية في ( المجموع ) ( 27/ 392 ) : ( وبحسب قلة علم الرجل يضله الشيطان ) وقد أضل هؤلاء الشيطان وقادهم لاتهام النسابة الهمداني بالباطل وادعاء النسب الأنصاري والذي لا يُعرف لهم عند العلماء المتقدمين والمتأخرين ، ولأن النسابة الهمداني كان عقبة في وجه هؤلاء أرادوا طَرح أقواله وضرب عدالته وتجهيله وتكذيبه ، ومتى عُرف السبب بَطُل العجب (!) .
وفي هذه المقالة بينت بُطلان كلام الزيدي الإمام شرف الدين واتهامه الباطل للنسابة الهمداني وكذلك بينت مُجازفة الشيخ ابن عقيل الظاهري وتحامله على النسابة الهمداني نُصرة لابن حزم الظاهري وتجاهل أقوال الثقات في الهمداني ، ولم أتوسع في هذه المقالة وذكر أقوال العلماء الذين أثنوا على الهمداني ، وإنما اكتفيت ببعض أقوال أشهر علماء النسب والرجال من أهل الحديث في توثيق النسابة الهمداني في أنساب اليمن .
وأما تلك الفئة التي تنشط على موقع ( تويتر ) والذين ما تركوا مثلبة إلا وجروها على النسابة الهمداني ـ رحمه الله ـ حتى يتسنى لهم ركوب النسب الأنصاري بالباطل ، فقد أفردت فيهم رسالة باسم ( الإنكار على من أساء فهم معاني الآثار وعبث في نسب الأنصار ) بينت فيها للعقلاء جهل هذه الفئة وبُعدهم عن المهيع العلمي .
وقد جعلت مقالتي هذه على هذا النحو :
1ـ الهمداني عُمدة عند أهل الحديث في أنساب اليمن .
2ـ المنهج العلمي في أقوال الهمداني النسبية والتاريخية .
3ـ وقفة مع الشيخ ابن عقيل الظاهري .
4ـ وقفة مع كلام الإمام شرف الدين وغيره حول الهمداني .
ونسأل الله أن يكتب لنا الأجر في هذه الأيام الفضيلة في الذب عن أعراض العلماء ولزوم كلام أهل الحديث ، ونشرع في المقال :
( الهمداني عُمدة عند أهل الحديث في أنساب اليمن )
قال أحمد أبوبكرة الترباني : أثنى علماء الحديث على النسابة الهمداني واحتجوا بكلامه في أنساب أهل اليمن ، ومن هؤلاء العلماء الثقات :
1ـ العلامة الحافظ النسابة عبد الغني الأزدي ( ت 409 هـ ) .
قال العلامة عبد الغني الأزدي عن الهمداني : (عليه المعول في أنساب الحميريين ) وهذه تزكية إمام ناقد للهمداني في أنساب أهل اليمن .
والحافظ النسابة عبد الغني نسابة حُجة من أهل النقد ، قال فيه الحافظ الذهبي في ( السير ) ( 17 / 268 ) : ( الإمام الحافظ الحجة النسابة محدث الديار المصرية ) .
وقول المحدث النسابة عبد الغني الأزدي ( عليه المعول في أنساب الحميريين ) يقصد بذلك أنساب اليمن عامة ،لأنهم يقصدون بذلك كتابه ( الإكليل في أنساب اليمن وحمير ) ونقل أهل الحديث أنساب اليمن من هذا الكتاب .
2ـ العلامة الحافظ النسابة الرشاطي ( ت 542هـ ) .
قال العلامة النسابة الرشاطي في ( اقتباس الأنوار ـ مخطوط ـ ص 178) : ( والهمداني في نسب حمير يُتبع ؛ لأنه اعتنى به اعتناء كثيرا والله أعلم ) .
وقال أيضاً ( اقتباس الأنوار ـ مخطوط ـ ص 205 ) بعدما قدم قول الهمداني على قول ابن الكلبي في نسب يافع : ( والهمداني أشد اعتناء بانساب حمير والله أعلم ) .
وقال أيضا عند الكلام على " الثابتي " : ( والنفس إلى قول الهمداني أميل والله أعلم ) .
قال أحمد أبوبكرة الترباني : وهذه تزكيات كبيرة من الحافظ النسابة المتقن الرشاطي ، وقد اعتمد الحافظ النسابة الرشاطي كثيراً على أقوال الهمداني في أنساب اليمن في غالب كتابه ( اقتباس الأنوار ـ مخطوط ـ ) ، والرشاطي نسابة متقن ومن أهل النقد ولو كان الهمداني كذاباً كما يزعم البعض لتركه ولم يعتمد على أقواله في أكثر كتابه عن أنساب أهل اليمن ، وقد قال الحافظ الذهبي فيه في ( السير ) ( 20 / 175 ) : ( الشيخ الإمام المتقن النسابة أبو محمد عبد الله بن علي بن عبد الله بن أحمد اللخمي الأندلسي المريي الرشاطي ) .
وحتى أن الحافظ ابن حجر العسقلاني اعتمد على نقل الحافظ النسابة الرشاطي عن النسابة الهمداني في أنساب اليمن ، وهذه بعض نقولاته :
• قال الحافظ ابن حجر في ( تبصير المنتبه ) (2/ 317 ) : ( وأما الرشاطي فنقل عن الهمداني أن مقرئ بن سبيع بن الحارث بن مالك بن زيد بطن من حمير ) .
• قال الحافظ ابن حجر في ( تبصير المنتبه ) ( 2/750 ): ( ... حكى عنه الهمداني في كتاب نسب حمير خبراً ذكره الرشاطي ) .
• قال الحافظ ابن حجر في (الإصابة ) ( 5/ 89 ) : ( وقد ذكر الرشاطي عن الهمداني أن معاوية كان مستشرفا لأخبار حمير ... ) .
• قال الحافظ ابن حجر في (الإصابة ) ( 7 / 206 ) : ( ذكر الرشاطي عن الهمداني في أنساب حمير أنه وفد على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وقُتل مع علي بصفين ... ) .
وكتاب ( اقتباس الأنوار ) للنسابة الحافظ الرشاطي ، قال فيه ابن الأبار في ( معجم أصحاب الصدفي ) ( 218 ) : ( لم يُسبق إلى مثله واستعمله الناس ) واستعمال الناس له ، أي : جعلوه مرجعاً لهم ، وهل يُعقل أن يجعلوا كتاباً اعتمد على كذاب وسّراق ومُلفق للأخبار مرجعاً لهم في الأنساب ؟!! حاشا وكلا .
وقال المقري في الحافظ النسابة الرشاطي كما في ( نفح الطيب ) ( 4/462 ) : ( وكانت له عناية كبيرة بالحديث والرجال والرواة والتواريخ وهو صاحب كتاب " اقتباس الأنوار والتماس الأزهار في أنساب الصحابة ورواة الآثار " أخذه الناس عنه وأحسن فيه وجمع وما قصر ... ) .
3ـ الحافظ الناقد ابن حجر العسقلاني ( 852 هـ ) .
اعتمد الحافظ ابن حجر العسقلاني كثيراً على أقوال الهمداني في أنساب اليمن في مؤلفاته ( تبصير المنتبه ) و ( الإصابة ) و ( فتح الباري ) ولا يعتمد الحافظ الناقد ابن حجر العسقلاني على كذاب مُلفق للأخبار جاهلٌ في الأنساب كما يزعم بعضهم (؟) وإنما اعتمد عليه لمعرفته التامة في أنساب اليمن وتوثيق أهل الحديث له ، ونذكر بعض نقولات الحافظ عن النسابة الهمداني .
• قال الحافظ ابن حجر في ( فتح الباري ) ( 6 / 539 ) : ( وأجاب الهمداني النسابة عن ذلك ... ) .
• قال الحافظ ابن حجر في ( الإصابة ) ( 5 / 383 ) : ( ذكر الهمداني في أنساب حمير ، وقال : قال علماء حمير : خرج قيس بن نمط في الجاهلية حاجاً ... ) .
• قال الحافظ ابن حجر في ( الإصابة ) ( 5 / 104 ) : ( ذكره الهمداني في الأنساب ، وقال : كان مخضرماً ؛ ذكره عنه الرشاطي ) .
• قال الحافظ ابن حجر في ( تبصير المنتبه ) (2/ 317 ) : ( وأما الرشاطي فنقل عن الهمداني أن مقرئ بن سبيع بن الحارث بن مالك بن زيد بطن من حمير ) .
• قال الحافظ ابن حجر في ( تبصير المنتبه ) ( 2/750 ): : ( ... حكى عنه الهمداني في كتاب نسب حمير خبراً ذكره الرشاطي ) .
• قال الحافظ ابن حجر في (الإصابة ) ( 5/ 89 ) : ( وقد ذكر الرشاطي عن الهمداني أن معاوية كان مستشرفا لأخبار حمير ... ) .
• قال الحافظ ابن حجر في (الإصابة ) ( 7 / 206 ) : ( ذكر الرشاطي عن الهمداني في أنساب حمير أنه وفد على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وقُتل مع علي بصفين ... ) .
قال أحمد أبوبكرة الترباني : والحافظ ابن حجر العسقلاني من أهل النقد وصاحب بصيرة في الرجال ونقد المصادر وحيطته وتدقيقه في المسائل والمصادر مشهورة ومعروفة ، فلا يعتمد أنساب اليمن على كذاب وإنما يعتمد على من وثقه أهل العلم في فنه .
وقد اعتمد أقوال الهمداني في أنساب اليمن كثير من علماء الإسلام ، من أمثال ( الحافظ ابن كثير ، والعلامة العيني صاحب ( عمدة القاري ) ... ) وغيرهم الكثير .
( المنهج العلمي في أقوال الهمداني النسبية والتاريخية )
قد لخصت المنهج العلمي في الأخذ بأقوال الهمداني في الأنساب أو في المسائل التاريخية ، وهو كالتالي :
1ـ أقوال الهمداني في المسائل التي يترتب عليها ( مدح أو ذم ) :
قال أحمد أبوبكرة الترباني : وهذا القيد ليس خاصاً بالنسابة الهمداني بل هو قيد عام في الأخبار التي يترتب عليها ( مدح وذم ) والتي ينقلها أهل الأخبار والنسب ، فإذا كان الخبر يترتب عليه مدح أو ذم في الأشخاص ، فهنا نُنزل قواعد الجرح والتعديل على هذه الأخبار ، ليتبين لنا صحة الخبر أو الحكم بتضعيفه .
2ـ أقوال الهمداني في أنساب أهل اليمن :
قال أحمد أبوبكرة الترباني : إذا كانت أقوال الهمداني تتعلق بأنساب اليمن فهو مُتبع وحجة في هذا الباب ؛ لأنه صاحب اختصاص في هذا المجال ووثقه كبار أهل النسب من أهل الحديث واعتمدوا على أقواله النسبية ، وعلى رأسهم الحافظ النسابة عبد الغني الأزدي والحافظ النسابة الرشاطي والحافظ الناقد ابن حجر العسقلاني ، ولا يجوز دفع قوله في هذا الباب إلا بالحجة الصريحة وليس بالأقوال الموهمة والباردة كما يصنع كثير من أدعياء معرفة النسب في هذا الزمان .
3ـ أقوال الهمداني في أنساب العدنانيين :
قال أحمد أبوبكرة الترباني : إذا كانت أقوال الهمداني تتعلق بأنساب القبائل العدنانية ، فيقدم غيره ؛ لأنه ليس بصاحب خبرة في أنساب القبائل العدنانية ، ولم أر أهل الحديث اعتمدوا عليه في هذا الباب كما اعتمدوا عليه في أنساب اليمن .
( وقفة مع الشيخ ابن عقيل الظاهري ـ غفر الله له ـ )
لقد جازف الشيخ ابن عقيل الظاهري ـ عفا الله عنه ـ في ضرب النسابة الهمداني بالاتهامات الباطلة في كثير من مقالاته المنشورة بأنه : ( كذاب ومزور وملفق وصاحب أساطير وخيال ... ) وأنه يُحيل إلى أساطير (!! ) وقال أيضاً : ( إن الهمداني بعرف المحدثين كذاب وضاع ) (!) وهذا في عُرفه فقط لا عُرف أهل الحديث ، وغير ذلك من الأقوال التي لا يلتفت لها أهل العلم والإنصاف ، ولعل هذا النفس الشديد من الشيخ ابن عقيل الظاهري سببه مخالفة الهمداني لابن حزم الظاهري في نسب قبيلة حرب .
وقد تعجبت من تناقض الشيخ ابن عقيل الظاهري ـ غفر الله له ـ عندما قرأت له مقالة عن كتاب الحافظ النسابة الرشاطي ( اقتباس الأنوار ) ( مجلة العرب / ج11و12س17 ـ 1403هـ ) حيث قال : ( ورأيت ميزة كتاب الرشاطي على كتب الأنساب تتلخص في التالي :
1ـ أن الرشاطي يتكلم عن الأعلام تعديلاً وتجريحاً ويسوق شيئاً من أخبارهم ، وهذا ما يجعله كتاباً حافلاً في التراجم بعيداً عن جفاف كتب الأنساب التي هي مجرد معلومات ( ببلوجرافية ) .
2ـ أن الرشاطي يبوب في كتابه لأسماء الأعلام ويتحدث عن أخبارهم في المواضع التي يوفق فيها اسم العلم اسم أبي القبيلة ، بينما كتب الأنساب تعتني بآخر اسم العلم الذي ترد فيه ياء النسب .
3ـ أن الرشاطي ومختصره يتوسعان في التعريف بالقبائل والبلدان ؛ فهو بهذا كتاب حافل في الأنساب والبلدان ، بخلاف كتب أنساب الأعلام التي تقف عند المشهور ولا تتعمق ... ) اهـ .
وقال ابن عقيل الظاهري أيضاً : ( لا تفوتني الإشارة إلى أن كتاب الرشاطي ومختصريه مرجع في توثيق الرواة ... ) .
قال أحمد أبوبكرة الترباني : الشيخ ابن عقيل الظاهري يمتدح كتاب الحافظ النسابة الرشاطي ويُثني عليه وعلى منهجه وأنه من أهل الجرح والتعديل وكتاب حافل في الأنساب ومرجع في توثيق الرواة .
وطالما أن النسابة المتقن الرشاطي ( مرجع في توثيق الرواة ) عند ابن عقيل ، فلماذا يتهم من وثقه النسابة الرشاطي بالكذب والتزوير والتلفيق ؟!!
وقد سبق ونقلنا كلام الحافظ النسابة الرشاطي في حق النسابة الهمداني حيث قال في ( اقتباس الأنوار ـ مخطوط ـ ) : ( والهمداني في نسب حمير يُتبع ؛ لأنه اعتنى به اعتناء كثيرا والله أعلم ) واعتمد عليه كثيراً في كتابه ، وكان الأولى بالشيخ ابن عقيل الظاهري أن يتبع كلام الحافظ النسابة الرشاطي في الثناء على النسابة الهمداني ، وأن يلزم كلامهم ولا يخالفهم على رأسه فهم أعلم وأخبر بالرجال منه .
ونقول للشيخ ابن عقيل الظاهري ـ عفا الله عنه ـ هل الحافظ النسابة المُتقن الرشاطي يعتمد على أهل الكذب والتزوير والأساطير في كتابه ( اقتباس الأنوار ) ويَعتمد عليه في أنساب اليمن ؟!! وهل أنت أبصر في الرجال والأنساب من الرشاطي الذي قال فيه ذهبي عصره في ( السير ) : ( الشيخ الإمام المتقن النسابة أبو محمد عبد الله بن علي بن عبد الله بن أحمد اللخمي الأندلسي المريي الرشاطي ) ؟!! أو من الحافظ المحدث النسابة عبد الغني الأزدي والذي قال فيه الذهبي : (الإمام الحافظ الحجة النسابة ) ؟؟ أو من الحافظ الناقد صاحب الفتح ابن حجر العسقلاني ؟؟!! لا والله .
فالحافظ النسابة المتقن الرشاطي بصير في الرجال ولا ينقل عن كذاب مزور وكذا الحافظ الحجة النسابة عبد الغني الأزدي ، وأنظر أخي القارئ إلى توثيق الحافظ النسابة الرشاطي للنسابة الهمداني بأنه ( يُتبع ) وقول الحافظ النسابة عبد الغني الأزدي بأن الهمداني ( عليه المعول ) وبين مجازفات ابن عقيل في مخالفة نسابة أهل الحديث واتهامه الباطل للهمداني بأنه ( كذاب ) .
وقال ابن عقيل الظاهري في مقالة له نشرها في جريدة ( الجزيرة ـ 25 / شوال 1414هـ ) : ( وشهادة بعض العلماء لا سيما شهادة من هم بعيدون عن الجزيرة في الأندلس ، مثلاً بأنه عليم بالأنساب حجة في أنساب حمير ، لا يعني أنه ثقة وإنما يعني علمه بالأنساب وهذا لا شك فيه ، ولولا علمه بالأنساب ما استطاع التزييف والتضليل ... ) (!) .
قال أحمد أبوبكرة الترباني : هذا الكلام من ابن عقيل قائمٌ قاعد ولا يُلتفت له ، فكيف يكون حُجة في أنساب حمير ولا يؤخذ عنه أنساب حمير لتزييفه وتضليله وأنه ليس ثقة في أنساب حمير ؟!! ايش هذا التناقض ؟! ولا نعلم من يقصده ابن عقيل بقوله : ( من هم بعيدون عن الجزيرة في الأندلس ) (؟) أيقصد من قال فيه ابن عقيل أنه ( مرجع في توثيق الرواة ) ؟ ويريد رد توثيقه ولكن على استحياء ؟!! والعجيب أن ابن عقيل ـ عفا الله عنه ـ يسرف في جرح الهمداني ويضرب بتوثيق العلماء له عرض الحائط ولا سلف له في ذلك من علماء الحديث ، وإنما قاده ذلك نصرة لشيخه الظاهري ابن حزم لمخالفة النسابة الهمداني له في نسب حرب !! .
ثم أليس ابن حزم بعيد عن الجزيرة وفي الأندلس ؟!! ومع ذلك تأخذ كلامه حُجة في نسب حرب وتترك كلام من هو أعلم وأوثق في أنساب اليمن (!) فلعل حُب ابن حزم والتعصب له غَلب عليه وأفقده العدل و الإنصاف ولزوم كلام كبار أهل النسب من علماء الحديث ، وابن عقيل الظاهري ـ عفا الله عنه ـ فيه هذا النفس كما وصفه العلامة السلفي الشيخ حمود التويجري ـ رحمه الله ـ في كتابه ( الرد الجميل على ابن عقيل ) .
فالنسابة الهمداني كما أسلفنا ثقة عند أهل الحديث في الأنساب وقالوا فيه : ( يُتبع ) و (عليه المعول ) من ألفاظ التوثيق والتزكية ومن وثقه وزكاه أهل العلم ومن كبار رجالات الحديث والنسب ، وأما اتهام ابن عقيل للهمداني بأنه صاحب : ( تزييف وتضليل ) فهل غفل أهل الحديث عن هذا التزييف والتضليل واعتمدوا عليه ووثقوه في علمه ؟!! وهل أنت أعلم وأخبر في الرجال والأنساب من الحافظ عبد الغني الأزدي والحافظ الرشاطي وابن حجر العسقلاني وغيرهم ؟!!
ونقول في الشيخ ابن عقيل الظاهري في كلامه عن النسابة الهمداني ـ غفر الله له ـ كما قال الذهبي في ( السير ) ( 15/ 524 ) : ( هذا يدلُ على زعارة السليماني وغلظته ، الله يسامحه ) وقال الذهبي أيضاً في ( الميزان ) ( 2/66 ) في ترجمة الزبير بن بكار : ( الإمام صاحب النسب ، قاضي مكة ، ثقة من أوعية العلم ، لا يلتفت إلى قول أحمد بن علي السُليماني ، حيث ذكره في عداد من يضع الحديث ) .
ولهذا فأنظر أخي القارئ إلى أقوال أهل الإنصاف من أهل الحديث والنسب كـ ( الحافظ النسابة عبد الغني الأزدي والحافظ النسابة الرشاطي ) في النسابة الهمداني وبين القول المُجحف الذي قاله فيه ابن عقيل الظاهري ـ سامحه الله ـ .
( وقفة مع كلام الإمام شرف الدين وغيره حول الهمداني )
قال الإمام شرف الدين ( ت 965هـ ) : ( أنه ـ أي الهمداني ـ كان مشهوراً بالكذب في الأنساب مع معرفته بها ، وكان يأخذ على الكذب فيها مالاً ) .
قال أحمد أبوبكرة الترباني : لا عبرة بجرح الإمام شرف الدين ، فهو ( كذاب ) كما قال فيه شيخنا علامة اليمن مقبل بن هادي الوادعي في كتابه ( صعقة الزلزال لنسف أباطيل الرفض والاعتزال ) ( 1/ 298 ) : ( كذاب أشر ) وافترى على كثير من أهل العلم ومنهم ( الإمام العلامة ابن الوزير ) صاحب كتاب ( العواصم والقواصم ) والذي دكَّ فيه حصون الزيدية ، وقال القاضي إسماعيل الأكوع في ( هجر العلم ومعاقله ) ( 3/ 1321 ) : ( كان الإمام شرف الدين شديد الوطأة على غير أهل مذهبه ، فقد هاجم في شرح مقدمة كتابه ( الأثمار ) الحسن بن أحمد الهمداني صاحب " الإكليل " ونشوان بن سعيد الحميري ... ) ثم كيف عَرف هذا الكذاب أن النسابة الهمداني كان يأخذ على الأنساب مالاً ؟؟ وهو من أهل القرن العاشر لا عاصره ولا قارب زمانه !!
وكيف يأخذ أدعياء النسب الأنصاري وغيرهم كلام هذا الكذاب في النسابة الهمداني ويتركوا كلام أئمة أهل الحديث من علماء السنة في توثيق النسابة الهمداني ؟!! إنه الهوى والجهل وتضليل الشيطان لهم .
وأما كلام يحيى بن الحسين صاحب ( طبقات الزيدية ) في الهمداني فهو كلام مردود ؛ لأنه اعتمد على كلام الإمام شرف الدين والذي قال فيه إمام اليمن مقبل بن هادي الوادعي في ( صعقة الزلزال ) : ( كذاب أشر ) وكذا كلام أحمد بن صالح بن أبي الرجال وهو مردود لا يُلتف له ؛ لأن كل أقوالهم أخذوها من الإمام شرف الدين (!) وأما جرح المعاصرين وعلى رأسهم ابن عقيل الظاهري والذي تحامل على الهمداني جداً فلا يُلتفت لقوله ، وقد سبق وبينا تناقض ابن عقيل الظاهري وأنه قد جازف في كلامه عن النسابة الهمداني ، وما أجمل كلام الحافظ الذهبي في ( السير ) ( 8/448 ) : ( فمن الذي يسلم من ألسنة الناس ، لكن إذا ثبتت إمامة الرجل وفضله ، لم يضره ما قيل فيه ، وإنما الكلام في العلماء مفتقر إلى وزنٍ بالعدل والورع ) وإمامة الهمداني في أنساب اليمن ثابته بكلام الإمام العلامة الحجة عبد الغني الأزدي وكلام الحافظ الرشاطي والحافظ الثبت ابن حجر العسقلاني فلا يزعزعها كلام الكذاب الإمام شرف الدين وغيره .
هذا ما أردت تبيان في مسألة النسابة الهمداني وهو كافٍ ـ إن شاء الله ـ لمن يستمعون القول ويتبعون أحسنه .
وكتبه :
أحمد بن سليمان بن صباح أبوبكرة الترباني
الأردن ـ جرش