فضل علم الأنساب عند السلف


بناءاً على طلب الأخ الفاضل " محمد البلعزي الليبي " في كتابة مقالة صغيرة في تبيان فضلُ هذا العلم وأنه من العلوم التي سارع إليه السلف لتعلمه والتصنيف فيه ولم يُعطل هذا العلم إلا " شعوبي " أو جاهل لا يعلم فضله .  

فقد قال الرب سبحانه : ( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا ) " الحجرات 13".
وأمر نبي الأمة ـ صلى الله عليه وسلم ـ بتعلمه حيث قال : ( تَعَلَّموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم ).
  
وفي قواعد أصول الفقه ( الأمر يقتضي الوجوب ) وقد بين أهل العلم أن علم الأنساب واجب في مواطن ومندوب في مواطن أخرى ، فالواجب على المرء معرفة أرحامه ومن يتصل بهم نسباً
وقد كان الصِّديق أبا بكر ـ رضي الله عنه ـ من أعلم العرب بأنساب قريش ، فقد قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( أبو بكر أعلم قريش بأنسابها ).

قال أحمد أبو بكرة الترباني : وهذا يدل على معرفة النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ بالأنساب لشهادته لأبي بكر في ذلك .. فقد ذكر الحاكم النيسابوري في ( معرفة علوم الحديث ) ( 170 ) : ( النسب سُئل عنه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فتكلم فيه ).
وقد قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن " عمرو بن لحي " : ( عمرو بن لحي بن قمعة بن خندف أبو خزاعة ) .. وهذا يبين لنا معرفة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالأنساب .

وقد كان صحابة النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ أهل معرفة في الأنساب كـ ( أبو بكر الصديق و عمر بن الخطاب و علي بن أبي طالب و جبير بن مطعم و مخرمة بن نوفل و عقيل بن أبي طالب .... الخ ) .

قال ابن حزم الأندلسي في ( الجمهرة ) ( 7 ) : ( كان أبو الجهم بن حذيفة العدوي وجبير بن مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف ، من أعلم الناس بالأنساب ، وكان عمر وعثمان وعلي به علماء ـ رضي الله عنهم ـ ).
وكان من التابعين من علماء الأنساب : ( سعيد بن المسيب والشعبي وقتادة والزهري ... الخ ).

وقد قال البخاري في ( التاريخ الكبير ) ( 5/36) : ( ابن شهاب كان يجالس عبد الله بن ثعلبة ليتعلم منه الأنساب ) فهذا من التعلم ، لا كما نشاهده اليوم من تطفل العوام على هذا العلم فأصبح من لا يعرف شروط الطهارة يتكلم في النسبِ ( ! ) والله المستعان .

وقد رحل العلماء لطلب هذا العلم من أهله ، فقد طلب ابن فهم البغدادي الأنساب من مصعب الزبيري كما بين ذلك البغدادي في ( تاريخه ) ( 8/657 ) : ( صحبت مصعب بن عبد الله فأخذت عنه معرفة الأنساب ).
وقد جعل العلماء تعلم الأنساب أصل من أصول " علم الحديث " كما بين ذلك الحافظ الحازمي في ( عجالة المبتدي ) ( 26 ) : ( ومن أصول الحديث معرفة الأنساب ، وأهمها أنساب العرب ) .

قال ابن حزم في ( الجمهرة ) ( 6 ) : ( ومن أعلم الناس بالأنساب جماعة من أهل الفضل والفقه والإمامة ، كمحمد بن إدريس الشافعي ).

فهذا العلم كان من علوم أهل الفقه والحديث ، فقد أهتم علماء الحديث في علم الأنساب بشدة وصنفوا فيه وتكلموا على أنساب الرواة في مصنفاتهم ، فلولا علم الأنساب لجاز للزنادقة والخوارج ادعاء الخلافة والانتساب لغير أنسابهم ، ولولاه لما عُلم حال الوارث وورثته ولولاه لما عُرف الكاذب من الصادق ، كحال دَّعي هذا الزمان الكذاب " أسامة عطايا عثمان عوض الله الكوكبي " والذي انسلخ من نسبه لأمور دنيوية ورَّكب له نسباً إلى قبيلة ( عتيبة ) ونسب نفسه لها كذبا وزوراً وعُرف اسمه بين الناس بـ ( أسامة عطايا العتيبي ) بقُبح وجراءةُ .

وأما تعلم هذا العلم للـ ( تفاخر ) فهذا مذموم ، والتفاخر هو رفع شأن قبيلته والتنقص من الغير وهذا من فعل الجاهلية .
وكذلك الطعن في أنساب الصرحاء بـ ( جهل دون العلم ) فهو من الأمور المذمومة ، وأما الطعن بعلم فهو مطلب شرعي سار عليه السلف في الطعن في ادعاءات الكذبة ، فقد أنقض علماء السلف على دعوى " الدولة العبيدية " وردوا نسبها المُختلق .
وكذلك تكلم علماء الحديث والتاريخ على أنساب الرواة وطعنوا في ادعاءات بعض من انتسب لغير أبيه ، ولولا هذا لجاز لكل من هب ودب أن ينتحل الأنساب ولخرج المجانين وادعوا المهدوية وأنهم من قريش .. الخ ..

وأما مقولة : ( الناس مؤتمنون على أنسابهم ) فهذه عبارة مطاطية يركبها كثير من الكذبة وقد وَضح هذا المقولة العلماء كالسخاوي والآلوسي ومن المعاصرين الشيخ بكر أبو زيد ـ رحمه الله ـ والشيخ محمد بازمول في كتابه " عبارات موهمة "..
 " ومعنى هذه المقولة كما وضحها الشيخ بكر أبو زيد في ( فقه النوازل ) ( 1/122 ) : ( وهاهنا فائدة يحسن تقييدها والوقوف عليها وهو أن هذا ـ أي : مقولة : " الناس مؤتمنون على أنسابهم " ـ ليس معناه تصديق من يدعي نسبا قبليا بلا برهان ، ولو كان كذلك لاختلطت الأنساب واتسعت الدعوى وعاش الناس في أمر مريج ولا يكون بين الوضيع والنسب الشريف إلا أن ينسب نفسه إليه ، وهذا معنى لا يمكن أن يقبله العقلاء فضلا عن تقريره ، إذا تقرر هذا فمعنى قولهم " الناس مؤتمنون على أنسابهم " هو قبول ما ليس فيه جرم مغنم أو دفع مذمة ومنقصة في النسب كدعوى الاستلحاق لولد مجهول النسب والله أعلم ).  
قال أحمد أبو بكرة الترباني : عندما بينا للعقلاء كذب الدَّعي " أسامة عطايا " في نسبه وذكرنا البراهين والحجج من أقوال أهله وأهل التاريخ والوثائق ، قام هذا الأزيب " أسامة " بتبديعنا ورمينا بالفواقر ، حتى يُنفر الناس عن قولنا فيه ، وتبديعه وفجوره منهج أهوج فاسد يدل على رقة دينه في إطلاق الأحكام على الناس وهو الكذوب الكذوب  لاسيما أنني من بلدياته فأعرفه وأعرف عائلته الكريمة .

فعلم الأنساب شريف ومن حاول تعطيله أو تزهيد الناس فيه فهذا يُشك في حاله ، ومن تكلم في علم الأنساب بجهل دون دراسة لهذا العلم الشريف و دون تزكية العلماء والشهادة له بالتمكن فيه ، فنقول كما قال الذهبي حافظ زمانه في ( السير ) ( 4/472 ) : ( فاصرعه وأبرك على صدره واقرأ عليه سورة الكرسي ) لأن أنساب الناس لا يجوز أن يتكلم فيها الجاهل حتى لا يُسيء لها بجهله ، والعجيب أنك تجد العوام إذا تعطل بعض متاع بيته كـ ( الثلاجة ) مثلاً ( ! ) يذهب ويسأل عن الخبير في تصليح الثلاجات ولا تجده يُغامر بها إلى الجاهل في هذه الصنعة ، ولكن في نسبه تجدهم يأخذون قول الجاهل الخَرِف ويتركوا قول العالم بل يشنعوا عليه إذا كان قوله مخالفاً لأباطيلهم فيرمونه بالفواقر الباطلة كـ ( مزور وجاهل .. الخ ) فقط لأن قوله لم يوافق عقولهم والتي ليس فيها ذرة علم من أصول وقواعد النسبِ .

ومن أراد أن يعلم قدر هذا العلم وشأن السلف فيه فليقرأ كتاب حبيبنا النسابة الفحل الشريف " إبراهيم بن منصور الهاشمي الأمير " المسمى ( عناية العرب بأنسابهم وسبقهم في ضبطها وحفظها سائر الأمم ) .. فقد استفدنا منه وأفاد الجميع ـ حفظه الله ـ
وكتبه :
أحمد أبو بكرة الترباني 
  / رمضان / 1436هـ 3