مُفتاحك إلى علم الانساب

 


طلب مني بعض الإخوة من ليبيا والجزائر أن أكتب رسالة فيما يحتاجه الطالب في دراسة { علم الأنساب } وقد لبيت دعوتهم تلبية المطيع ، ويذلتُ في طلبهم جهد المستطيع لتسهيل هذا العلم ، وكيفية طلبه وأصوله وضوابطه ..

ولأن الجهلة قد أغاروا على هذا العلم الشريف دون دراسة أو طلب ، ودون تزكية أو ثناء من أرباب هذا الفن ، فدمروا هذا العلم العزيز وتكلموا فيه من غير أهلية ، وآفة هذا العلم صدقاً ؛ سهولة تكلم الجهال فيه ، فتجد أحدهم لا يفقه { شروط لا إله إلا الله } ويتكلم في { أرحام الخلق } بلا علم ولا ورع ..

فلم يأتِ الطعن في الأنساب إلا من الجهال ، فمن يتكلم في الأنساب بجهل دون دراسة لهذا العلم الشريف فهو { طعان في الأنساب } لان الجهل شر ومنه البلايا ..

ولهذا فالواجب على من أراد دراسة هذا العلم الشريف أن يدرس :

1ـ أصول الفقه .

2 ـ أصول الحديث .

لأن هذه الأصول مرتبطة مع أصول دراسة { علم الأنساب } في مسائل الخلافيات والترجيح بينهما ، وتقديم المتخصص على غيره  والمجمل والمفصل و المؤتلف والمختلف و المقيد والمهمل وتمييز صحيح القول من سقيمه و متى يُقدم النافي على المُثبت ومتى يُقدم المثبت على النافي ومتى يُقبل الطعن ومتى لا يُقبل و شروط الشهرة النسبية وضوابطها و متى تُقبل الشهرة ومتى تُرد والحكم ببطلانها .... كُل هذا له علاقة وثيقة في { أصول الفقه والحديث } ..

وكذلك معرفة { الجرح والتعديل } متى نستعين بـ { الجرح والتعديل } ومتى نستغني عنه ، لأن هناك من أهل النسب من { الكفار والروافض وأهل البدع } فلا ننزل منهج { الجرح والتعديل } على الإطلاق ، إنما نستعمله في المسائل التاريخية والتي يترتب عليه { مدح أو ذم } ..

فمن أستعمل منهج { الجرح والتعديل } على إطلاقه يقع في مصائب ويفوق { طه حسين } في طعوناته في { مصادر الشعر الجاهلي } .. وهذا أمر مهم جداً ، وجب على طالب علم النسب معرفته ..

فلو أخذنا بمنهج { الجرح والتعديل } على إطلاقه لنسفنا أقوال نسابة وقته { ابن الكلبي } أو { الواقدي } .... الخ ، بل يدفعنا إلى نسف تدوينات المستشرقين لأخبار قبائلنا ..

فـ { ابن الكلبي } شهد له أئمة الجرح والتعديل في فحولته في علم النسب مع شدة ضعفه في الرواية الحديثية بل وصفه بعض الأئمة بـ { الكذب }  ، وقد صنَّفَ أخونا النسابة ( إبراهيم الهاشمي الأمير ) رسالة طيبه فيه وسماها { من وثق في علم وضعف في آخر .. ابن الكلبي النسابة أنموذجاً } ..

فالواجب على طالب علم الأنساب أن يتعلم { أصول الفقه والحديث } كي يكون له معيناً في دراسته للأنساب  ..

وأيضاً من الواجب على دارس علم النسب أن يكون عارفاً متى { يتساهل ومتى يتشدد في الأنساب } فهناك مسائل يتساهل فيها النسابة ومسائل يتشدد بها كـ { الأنساب التي عليها مطمع  } و { مواطن الشُبهة } وغيرها .

فهناك قواعد عامة وقواعد خاصة في علم النسب ، تُخلق مع مرور الزمن وكثرة الشُبه والإدعاءات ، فبعض الأنساب لها قواعد خاصة كـ { أنساب الأنصار } ومن يدَّعي الانتساب لها و{ انساب آل البيت } وغيرها من المسائل ، يتشدد النسابة فيها ويُحقق ويُغربل ..

وهناك أنساب أخرى يُنزل عليها القواعد العامة دون الخاصة ، فيتساهل ولا يتشدد النسابة فيها ..

وقد ذكرتُ شيئاً من هذه القواعد في كتابي { مجموع في الأنساب } فأرجع له .

فبعد أن يدرس طالب العلم { أصول علم الأنساب } ودراسة { أصول الفقه والحديث } وجب عليه أن يُكثر من قراءة :

1ـ كتب الرجال .

2ـ كتب الردود ـ ردود علماء النسب على الأدعياء ـ .

3ـ كتب شروحات الأحاديث النبوية .

فـ { كتب الرجال } يستفيد منها طالب علم النسب في باب { الترجمة } وتجد فوائد كثيرة تاريخية ونسبية في تراجم الرجال ..

وكذلك { كتب الردود ـ ردود علماء النسب على الأدعياء ـ } تجد فيها خُلاصة علم هذا النسابة ورده على شُبه الأدعياء ، مما يجعلك مطلعاً على مناهج علماء النسب وتقييد قواعد نفيسة لا تجدها في كثير من الكتب إنما تجدها في كتب الردود جاءت عن ممارسة ودراية .

وكذلك { كتب شروحات الأحاديث النبوية } تجد فيها فوائد غالية عند شرح العلماء لحديث نبوي في فضائل قبيلة أو مسائل التركة والنكاح وغيرها الكثير ..

وكذلك الإطلاع على كتب { المؤتلف والمختلف في القبائل والرواة } لأن هذه مسألة مهمة وهي { تشابه الأسماء ] وهي آفة هذا العلم الشريف .

وكذلك الإطلاع على { كتب الرحلات } و { السجلات العثمانية } ففيها فوائد جمة .

وكلما زاد إطلاعك زادت معرفتك ونشط قلمك في تقييد الدُرر .

وكلما كنت على دراية في مضامن علم النسب ، سهلَ عليك الأمر كله .. فمثلاً جاءتك مسألة نسبية في أن { قريش في آخر الزمان قلة قليلة } فقبل أن تُتعب نفسك في البحث وتُرهقها ، أذهب إلى { شروحات الأحاديث النبوية } فتجد شروحات علماء الحديث والفقه لهذه { القلة } وما معناها ؟! ..  

ولأن بعض من تطفل على هذا العلم ولم يأخذ مفاتيحه ، فسر هذه القلة بـ { الانقراض } ولم يقع في هذا الجهل إلا لجهله وقفزه على هذا العلم دون دراسة .. فأنتبه رحمك الله .

فكما قلنا آنفا { الجهل } هو الشر ، وكل من تكلم في هذا العلم الشريف عن جهل دون دراسة لأصول هذا العلم الشريف فهو { طاعن } لأن الجهل يجبره على الطعن شاء أم أبى .

وإن شاء الله نكتب رسالة مُفصلة في { أصول علم الأنساب } في الأيام القادمة ، يستفيد منها طلاب العلم ..

وكتبه :


أحمد بن سليمان بن صباح أبو بكرة الترباني