النَّسَّابة كالأقحوانة والنَّحلة





لابد قبل أن اغوص في دهاليز ومقاصد هذه المقالة أن نفرُشَ البُسُط للقارئ كي يَتَّمَخطر طرباً بين سطورنا هذه .


عَرَّفَ ابن الأثير معنى " النّسّابة " فقال : ( النسابة : البليغ العِلم بالأنساب )[1].


فالنسابة : هو المُطلع بمنهجية علمية على انساب القبائل العربية ، فتجده يسلك هذا العلم الشريف على منهج أهل الحديث في } التحقيق والترجيح والتحرير { بعيداً عن " أودية القماشين " و " مغاور الورَّاقين " .


فاليوم ـ للأسف ـ  صار هذا العلم الشريف " مَلطَّشة " للعوام ، فصار فلان يُلقب نفسه بـ " النسابة و الباحث !! " وكُل هذا لأنه صنَّف كتاباً في قبيلته أو عشيرته ( !! ) وليس له إلا هذا التأليف ( !! ) ولو اطلعت على ما كتبه في مُصَنَّفه لقلت : ( خرابيش ليس لها زِمام !! ) .


فالنّسّابة هو من غَرَفَ من " علم الحديث وأصول الفقه " وتَمَكن من ضوابط وقواعد تحرير المسائل ثم دخل في ( علم النسب ) وتَمَكن من قواعده وأصوله وعَرف مدخله ومَخرجه .



أما اغلب كُتَّاب اليوم في علم النسب فهم ( عوام ) بصورة } مُثقف !! { وهي صورة لا جوهر لها ( !! ) فتجده } سوبر ماركت !! { يَحشُ الأخضر واليابس و " يُخبص ويُلَّغوص " فيجمع بين } التناقض والتضارب !! { في قالب وسَمَّهُ بـ ) خُلاصة البحث !! ( فكتاباته أشبه بالطبخة الفلسطينية الشامية ) المقلوبة ( أو تلك الطَبخة ( الخبيصة !! ) وإن كانت لذيذة في المأكل لكنَّ لا يُستساغ اسلوبها وطريقتها في غير المأكل والمشرب .



قال الزبيدي : ( والاقحوان بالضم  : البابونج عند العجم وهو القراص عند العرب قال الجوهرى على أفعلان وهو نبت طيب الريح حواليه ورق أبيض ووسطه أصفر وقال الازهرى هو من نبات الربيع مفرض الورق دقيق العيدان له نور أبيض كأنه ثغر جارية حدثة السن .. )[2].

وقال ابن قتيبة : (الأُقْحُوَان : البابونج )[3].


قال طرفة بن العبد :
بادِنٌ، تَجلُو، إذا ما ابْتَسَمَتْ
                  عَن شَتِيتٍ، كأقاحِ الرّمْلِ، غُرّ[4]


شبه أسنان المحبوبة بـ ( الأقاح ) وهو جمع ـ الأقحوان ـ  لبياضه وجماله .


وقال جميل :
بذي أُشُرٍ كالأقحوان يزِينه          ندى الطَّلِّ إلاَّ أنَّه هوَ أملَحُ[5]


قلت : فالأقحوان هو ذاك النبت دقيق العيدان أبيض ورقه وأصفر وسطه ذو رائحة طيبة ، فالأقحوان كـ } أنساب العرب { طيبة الجذر بيض الفروع طيبة السُمعة .

والنحلة لا تأكل إلا طيباً ولا تضع إلا طيباً ، وهي تنزل على النبات الطيب كـ } الأقحوان { وقد شبه النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ المؤمن بالنحلة حيث قال : (وَالَّذِي نَفْسُ ‏ ‏مُحَمَّدٍ ‏ ‏بِيَدِهِ إِنَّ مَثَلَ الْمُؤْمِنِ ‏ ‏لَكَمَثَلِ النَّحْلَةِ أَكَلَتْ طَيِّبًا وَوَضَعَتْ طَيِّبًا وَوَقَعَتْ فَلَمْ تَكْسِر ولم تُفْسِد )[6].


ولهذا فإن أنساب العرب كالأقحوان والنسابة كالنحلة لا يذكر إلا الطيب ويدُس خلاف الطيب ويطمره ولا يُخرجه ، فمن هذا التشبيه نستخرج هذه الفوائد الغوالي كالتالي :


أن لا يذكر النسابة إلا الطيب والخير في كلامه على أنساب الناس بصدق دون مبالغة أو عصبية جاهلية ولا يكسر ولا يُفسد ما دونه أهل النسب الثقات .


أن لا يُخرج مثالب القبائل إنما يدُسها ويطمرها .


أن لا يثبت أنساب الأدعياء والكذبة والذين أدَّعوا أنسابا ليست لهم ، فالنحلة لا تنزل إلا على الطَّيب ، فالواجب تبيان هذه الأنساب المدخولة وعدم السكوت عنها وترك النسب كالأقحوان ابيض الورق ودقيق العيدان  ، واليوم مع كثرة ادعاء الناس لأنساب ليست لهم كما نشاهد اليوم من  ينسب نفسه لآل البيت زوراً أو قريش كذباً ، فهذا من باب ( الإدعاء ) ليس فيه طيب فلا تنزل النحلة عليه إنما تمجه وتحذر ( مملكة النحل ) من هذا الفساد .


أن لا تثبت إلا ما كان ابيض كالأقحوان ليس فيه ( غَبَش ) ولا ( سواد الدَّعي ) إنما ما دونه النسابة الثقات في ( مؤلفاتهم ) فاسلك درب من قبلك من النَحل ـ علماء النسب الثقات ـ .


البعض من الأدعياء المجاهيل يشد إزاره ويتبرقع باسم مستعار من جُبنه وخواره ويذهب لمحاربة أهل النسب الثقات والذين بينوا كذب ادعاءه ، فيحاول جاهدا التنفير منه كي لا يُقبل كلامه ( !! ) فيحاول خلق عيوب في هذا النسابة بالكذب والتلفيق والطعن  .... الخ ،  وما أكثر هذا الفساد في الشبكة العنكبوتية ، فيدخل المجهول ويكتب ويُلفق وينشر ( !! ) بل ينتحل بعض أسماء أهل النسب ويطعن في القبائل كي يثُلج صدره المحموم من كية هذا النسابة بالكذب والنفاق  ، ولكن لا يلحق ( النحلة ) ـ النسابة الثقة  ـ أي سوء ، فالطيب ذائع بين أهل الطيب من النَحل ، والنحلة لا تقبل إلا طيباً .



وكتبه :
أحمد بن سليمان بن صباح أبو بكرة التُرباني .





[1] ـ  ( غريب الحديث ) ( 4/ 321)
[2] ـ  ( تاج العروس ) ( 1/8533) ,
[3] ـ ( أدب  الكاتب ) ( 99) .
[4] ـ ( ديوان طرفة ) ( 41) .
[5] ـ ( الأشباه والنظائر ) ( 1/41) .
[6] ـ ( صحيح ) أخرجه أحمد في ( المسند ) ( 5/432) والحاكم ( 4/558) و البيهقي في ( الشعب ) ( 5/58) وابن حبان في ( صحيحه ) ( 3/133) .